آخر الأخبار

محور الإدراك الحسي و الشعور - تحليل نص مشكلة الوعي لبرتراند راسل

 

محور الإدراك الحسي و الشعور

تأطير إشكالي :

إن كل وعي يحصل لنا، سواء كان ذلك بذواتنا أو بالعالم الخارجي، فهو  بالأكيد ليس نتيجة فراغ، بل يظل  على الدوام مرتبطا بما تقدمه لها حواسنا و عملياتنا العصبية و الدماغية من جهة، و بعمليات التحليل و الفهم و التأويل الذي يقدمها شعورنا لهذه المعطيات، و هذا ما يجعل من الإدراك الحسي وسيطا لا يستهان به في عملية الوعي، و هذا بالإضافة إلى الشعور أيضا، و من هنا تبرز إشكالية علاقة الوعي بكل من الإدراك الحسي و الشعور، و هو الأمر الذي يجعلنا نتساءل كالتالي :

- ما الإدراك الحسي ؟ و ما الشعور ؟ و ما علاقة كل من الإدراك الحسي و الشعور  بالوعي؟ و ما دورهم في تشكله و حصوله ؟ و هل الحواس وحدها كفيلة لوعينا بذواتنا و العالم الخارجي أم أن هناك أدوات و عمليات أخرى مسؤولة عن ذلك ؟ .

مطلب التحليل و المناقشة

أولا : مطلب التحليل : تحليل نص مشكلة الوعي لبرتراند راسل

تأطير النص :

يأتي نص فيلسوف الاتجاه الفلسفي المسمى بالذرية المنطقية برتراند راسل هذا  في سياق محاولة الإجابة عن إشكالية ماهية و طبيعة الوعي المعقدة، و ليبين طبيعة العلاقة القائمة بين الوعي و الإدراك الحسي و الشعور بالإضافة إلى الاستبطان .

مفاهيم النص الأساسية :

اللغة : في التعريف العام للغة، فهي ذلك النسق من الرموز و العلامات و الإشارات التي يتم عبرها التواصل و التعبير عن ما ندركه في ذواتنا و العالم الخارجي .

و أما حسب سياق النص فهي وسيلة للتعبير عن الوعي و ترجما ما ندركه في ذواتنا داخليا و ما ندركه خارجيا من معطيات حسية أو عقلية .

الإدراك : هو العملية العقلية التي يتم من خلالها تفسير وتأويل المثيرات وصياغتها على نحو يمكن فهمها و فهم المعنى منها، ومن ثم الخروج بتصور أو حكم أو قرار ما .

الوعي : هو حسب سياق النص عبارة عن كل من ردود أفعال الإنسان اتجاه الوسط الذي يعيش فيه، و عملية استبطان في الذات  والأفكار و العواطف التي نكونها عن ذواتنا و أشياء العالم الخارجي .

الإدراك الحسي : هو تحصيل معرفة ومعطيات بالعالم الخارجي عبر الحواس، بحيث يكون الشيء المُدرك صورة و انعكاسا لما تمدنا به الحواس و باقي النواقل الحسية من معطيات حسية .

الاستبطان : هو التأمل و الغوص في أعماق الذات و الكشف عن ما  تحمله الذات من ذكريات و دوافع و أفكار ومشاعر بخصوص ذاتها و العالم الخارجي .

أطروحة النص :

بعد تحليله المعمق لمفهوم الوعي، يقر برتراند راسل أنه لا ينبغي لنا فصل الوعي عن المدركات الحسية و ردود الأفعال في فهمنا لخاصية الوعي، إذ أن ردود الأفعال هي ما تؤكد على أن الوعي خاصية إنسانية و لا تخص الجماد لأن لا يصدر رد فعل، و لكن هذا من جهة و فقط، إذ لا ينبغي إهمال دور اللغة أيضا باعتبارها المعبر الرئيسي عن م نعيه، كما أن الوعي لا يرتبط برد الفعل و اللغة و فقط، بل إن الجزء الأعظم منه حسب راسل يكمن في الاستبطان باعتباره إدراكا للذات و ما يجول فيها من أفكار و مشاعر و دوافع خاصة، أي إدراك الذات لذاتها و العالم الخارجي والتعبير عنها، و في الأخير يخلص راسل إلى أن تحديد مفهوم الوعي أمر صعب و يحتاج المزيد من الجهود و البحوث المستمرة . 

البناء الحجاجي للأطروحة :

باعتبار الخطاب الفلسفي خطاب استدلالي برهاني في جوهره، فقد اعتمد راسل بناءا حجاجيا قويا لإقناعنا بأطروحته، و من أبرزها الحجج التالية :

التقابل أو المقابلة : و ذلك من خلال استهلاله النص بالمقابلة بين الإنسان و الجماد في خاصية ردود الفعل، هذه الأخيرة التي تميز الإنسان عن الأشياء الجامدة .

الشرح و التفسير : يشرح و يفسر لنا راسل أن الوعي هو من جهة رد فعل، و من جهة أخرى هو عملية استبطان و إدراك الذات لذاتها و عالمها الداخلي و التعبير عنه بواسطة اللغة .

المثال : يقدم راسل مثال الصياح، فعندما يصيح الواحد منا قائلا Hi أو آه، يستدير الإنسان لمصدر الصوت عكس الجماد، و هذا من أجل تمييز رد الفعل الإنساني عن رد فعل الجماد .

الاستنتاج : يخلص برتراند راسل إلى أن الوعي يظل مفهوما غامضا رغم كل هذه المقاربات، و بالتالي فهو يحتاج المزيد من البحث و الاجتهاد من أجل الإلمام به أكثر .

القيمة الفلسفية للأطروحة :

باعتبار الخطاب الفلسفي هو خطاب يخص الإنسان دون سواه، فهو لطالما يعود عليه بالنفع من خلال توسيع أفق تفكيره و تصوره لذاته و العالم، فإن أطروحة راسل أيضا تكتسي أهمية بالغة في تاريخ الدراسات البحوث حول مفهوم الوعي، فالنظر إلى الوعي من زاوية مادية علمية كونه رد فعل مرتبط بالإدراك الحسي يجعلنا قريبين أكثر من فهم هذه الخاصية الإنسانية، و هذا بالإضافة إلى إقحامه لعنصر اللغة المعبرة عنه، مرورا إلى الاستبطان بما هو إدراك الذات لذاتها و العالم الخارجي و التعبير عنه، كل هذه العناصر مجتمعة تشكل لدينا تصور شمولي نحو الوعي، و تجعل من الإنسان كائنا متميزا بإدراكه لذاته و العالم الخارجي، و هي ما تجعله مسؤولا عن إدراكاته و ما ينتج عنها من تصرفات أيضا .

حدود الاطروحة :

من الصحيح أن تصور راسل هو تصور شمولي للوعي، لكن نظرته هذا قد خلطت بين الوعي كعنصر مادي ناتج عن ما هو حسي و الوعي كعنصر لامادي مجرد ناتج عن عملية الاستبطان و اللغة، و هذا يجعل من صورتنا عن الوعي صورة مجزءة و مقسمة، مما يجعلنا حائرين قليلا في إدراك ماهية الوعي بدقة، و ما إذا كان تجليا ماديا أم مجردا للإدراك الإنساني، و هذا ما يستدعي المزيد من البحث المتواصل من أجل تحديد ماهية الوعي بدقة، و من ثمة نقف عند التساؤل مجددا : ما الوعي بدقة ؟ هل هو إدراك حسي أم فكري في الأصل ؟ و هل الوعي الإنساني مستمر في الزمان أم لا ؟ .


تعليقات