المحور الثاني : الفرد و المجتمع
تأطير إشكالي :
لطالما يقودنا الحديث عن المجتمع إلى الحديث
عن الأفراد الذين هم محور هذا الاجتماع، فإذ كان المجتمع هو ذلك التكتل و الائتلاف
الذي يجمع بين مجموعة أفراد تربط فيما بينهم غايات و مصالح مشتركة، فإننا نقر
ضمنيا بضرورة الفرد كجزء لا يتجزأ من أجل تواجد المجتمع، إذ أن كل واحد منهما يلعب
دورا في تشكل الآخر في علاقة جدلية ذات تأثير و تأثر، وهذا سواء على المستوى
العضوي باعتبار المجتمع ككل لمجموع أفراده والعكس، أم على مستوى التأثير الثقافي و الفكري الذي يمارسه
كل منهما على الآخر أيضا، و هذا ما يحيلنا على البحث في طبيعة هذه العلاقة القائمة
بين كل من الفرد و المجتمع . فهل يمكن تصور مجتمع بدون الأفراد الذين يكونونه؟ و
هل هما جوهران منفصلان أم أنهما وجهان لبنية واحدة ؟ .
مطلب التحليل
تحليل نص الفرد و المجتمع وجهان لعملة واحدة ص 50
تأطير النص :
يأتي نص عالم
الاجتماع المعاصر نوربرت إلياس في سياق الإجابة عن إشكال علاقة الفرد و المجتمع
انطلاقا من نظرته التي تقوم على الجدل و التأثير المتبادل بين كل من الأفراد و
المجتمع .
مفاهيم النص :
الفرد : هو
جزء لا يتجزأ من المجتمع، و هو بمثابة وجه من أوجه العملة النقدية التي يكون
المجتمع بمثابة الوجه الآخر، و هو العملة المطبوعة و الطابعة في نفس الوقت .
المجتمع : فلسفيا
يعني المجتمع ذلك التكتل و الائتلاف و التشكل الذي يحتوي على مجموعة من الأفراد
التي تربط فيما بينهم ثقافة مشتركة و علاقة و مصالح مشتركة . و حسب صاحب النص هو مجموع
الأفراد الذي يكونونه، و هو بمثابة الوجه الثاني للقطعة النقدية إذا ما افترضنا مع
صاحب النص أن الأفراد هم الوجه الأول .
الأفكار الأساسية للنص :
في إطار
معالجته للإشكال المطروح يستهل نوربرت إلياس نصه بنموذج لحوار تتضارب فيه الآراء
حول علاقة المجتمع بالأفراد من أجل إبراز العلاقة بينهما .
ينتقل إلياس
إلى توضيح أنه لا يجب النظر إلى علاقة الفرد بالمجتمع نظرة انفصال و استقلالية، بل
إن هذه العلاقة جدلية بين الفرد والمجتمع، و يدعم ذلك بتشبيهه إياها بالعملة
النقدية حيث يكون الفرد هو العملة المطبوعة و في نفس الوقت الآلة الطابعة .
بالإضافة إلى
كل ما سبق، يخلص نوربرت إلياس إلى أن العلاقة بين الفرد و المجتمع ليست علاقة معزولة،
و قد أوضح كيف أن كل فرد يتضمن بالضرورة ضمير النحن كما يتضمن المجتمع ضمير الأنا
في جوهره، ف (نا) الدالة على الجماعة تتضمن كل الضمائر الأخرى التي ليست سوى جزء
من الكل، والعلاقات الأساسية التي نعبر عنها بضمائر المتكلم والمخاطب والغائب هي
ضمائر مترابطة فيما بينها، بحيث لأي يمكن لأي ضمير أن يوجد بدون حضور الضمائر الأخرى
..
أطروحة النص :
بالاعتماد على
ما سبق، يتوضح لنا جليا أن العلاقة بين الفرد و المجتمع حسب نوربرت إلياس هي علاقة
جدلية ذات تأثير و تأثر، كما أنها علاقة تكامل و اتصال مباشر بحيث لا يمكن فصل
أحدهما عن الآخر، وليس الفرد شيئا بدون مجتمع ،إذ أن الفرد و المجتمع حسب صاحب
النص ما هما إلا وجهان لعملة واحدة، هما لا يقبلان الانفصال عن بعضهما البعض، كما
لا يمكن تواجد أحدهما بمعزل عن الآخر، وهذا بالإضافة إلى أن المجتمع يمارس مفعوله في
تكوين شخصية الفرد الذي من شأنه أن يكون فاعلا وليس مجرد مفعول به ،فالفرد متضمن
حسبه في كل ضمير متكلم أو جماعي، و قد وضح عالم الاجتماع إلياس ذلك بكون ضمير
الأنا و نحن يتوحدان معا تحت ضمير (نا) الذي يعبر عن الفرد و المجتمع معا، بحيث لا
يمكن وجود الأنا بدون نحن و العكس صحيح ، و بناء على هذا فإن الفرد لا ينفصل أبدا
عن المجتمع و العكس صحيح أيضا .
مطلب المناقشة
تحليل نص أنتوني غيدنز : التنشئة الاجتماعية
وسيلة استمرار الثقافة بين الأفراد داخل المجتمع ص51
مفاهيم النص :
التنشئة
الاجتماعية : حسب صاحب النص هي تلك العملية التي يتم بمقتضاها تعلم الأفراد الجدد
في المجتمع لأساليب حياتهم داخل مجتمعهم الخاص، و هي ذلك الوسيط الذي تنتقل الثقافة
عبره من جيل سابق لآخر جديد .
الأطروحة الأساسية للنص :
إذا كان
نوربرت إلياس قد نظر إلى الفرد و المجتمع باعتبارهما كلا لا يقبل القسمة أبدا، و
أنهما يعيشان على واقع و جدلية التأثير و التأثر بينهما، فإن عالم الاجتماع الإنجليزي
المعاصر أنتوني غيدنز قد حاول انطلاقا من كتابه (علم الاجتماع) إبراز كيفية ممارسة
هذا التأثير أكثر على مستويات عدة اجتماعية وثقافية أيضا، و الذي يتم حسبه انطلاقا
من التنشئة الاجتماعية بما هي عملية يتعلم بها الأفراد الجدد أساليب الحياة في
مجتمعهم، فالمجتمع بمثابة قناة لنقل الثقافة من جيل لآخر حسبه ، و بهذا فإن
المجتمع يساهم بواسطة التنشئة الاجتماعية في تكوين الفرد وتلقينه القيم والمعايير
التي تشكل أساس هويته الثقافية حيث ينتقل الفرد من عالمه الفردي إلى العالم الاجتماعي
مما يؤدي إلى انتقال الثقافة من جيل لآخر عبر الأفراد .
البناء الحجاجي للنص :
لقد حاول
أنتوني غيدنز الدفاع عن أطروحته هذه ببناء حجاجي قوي من قبيل ما يلي :
التعريف : الذي حاول فيه تعريف التنشئة
الاجتماعية كونها العملية التي يتعلم بها الأفراد الجدد في المجتمع أساليب حياتهم
داخل مجتمعهم .
الشرح و التفسير : حيث عمد إلى تفسير العلاقة التي يتم بمقتضاها
تلقين التنشئة الاجتماعية إلى الفرد و الوليد الجديد .
التمييز و
التقسيم : حيث ميز وقسم المراحل التي يتكون فيها هذا التأثير المتبادل بين الفرد و
المجتمع على مرحلتين، تنشئة اجتماعية أولية تبدأ منذ الطفولة داخل الأسرة و تنشئة
اجتماعية ثانوية تحدث بعد الطفولة لاحقا حتى سن البلوغ .
الاستنتاج : حيث
يستنتج صاحب النص من خلال عرضه أن التفاعلات الاجتماعية تسهم في تعلم الفرد منظومات
القيم و المعايير و المعتقدات التي تشكل الأنماط و العناصر الأساسية في الثقافة .
تركيب :
انطلاقا مما
سبق، و بناءا على تصور كل من نوربرت إلياس و أنتوني غيدنز لطبيعة العلاقة القائمة
بين الفرد و المجتمع، لا يمكننا سوى الاعتراف بطبيعة الاتصال الوثيق القائم بين كل
من الفرد و المجتمع، بحيث أنهما وجهان لعملة واحدة كما يصرح إلياس، و لا يمكن الفصل
بينهما، و قد لعبت أطروحة أنتوني غيدنز دور المساهمة الكفيلة بإبراز كيفية ممارسة
هذا التأثير و التأثر، و ذلك بواسطة التنشئة الاجتماعية المسؤولة عن تلقين و تعليم
الأفراد ثقافة و قيم المجتمع، و التي بواسطتها يتم انتقال الثقافة و توارثها من
قبل الأفراد، و هذا ما يجعل كل منهما في اتصال جدلي مستمر باستمرار المجتمع ، لكن،
و على العموم، و ما دام الأفراد هم المجتمع الذي يكونونه، و ما دام المجتمع يعمل
من خلال ثقافة أفراده على نقل تجاربهم ة خبراتهم و أفكارهم عبر الأجيال، فإن هذا
يجرنا إلى البحث في جدلية أخرى قائمة بين ثنايا هذا الحوار القائم، و هي جدلية
السلطة و المجتمع، و جدلية التأثير الذي يمارسه المجتمع بثقله على الفرد، فما
طبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع على أفراده، و ما دور هذه السلطة في الحفاظ على
استمراريته ؟ .
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .