محور الوعي و اللاوعي
مطلب المناقشة : قيمة الأطروحة السابقة و موقف آلان (إميل شارتي) ص19
القيمة الفلسفية للأطروحة (أطروحة فرويد) و حدودها :
إن تصور فرويد السالف الذكر، له قيمة و أهمية فلسفية كبيرة حيث استطاع من خلاله قلب نظرة الإنسان إلى ذاته و إلى الغير، و شكل كذلك بالنسبة للإنسان صدمة سيكولوجية (نفسية) عميقة من خلال إفصاحه عن أن الشعور ما هو إلا جزء ضيق من حياة الإنسان النفسية، أما اللاشعور فهو الجزء الأعمق فيهان و عن طريقه نستطيع فهم الإنسان بشكل أكبر، و هذا ما يجعل مساهمته هذه في الإجابة عن إشكال هوية الإنسان بشكل عام مساهمة ذات أهمية في صيرورة البحث الفلسفي حول الإنسان و محاولة فهم كنهه و مصدر سلوكياته و أفعاله .
لكن هذا لا يعني أبدا أن مفهوم اللاوعي هو الجزء الوحيد و المتحكم في حياة الإنسان النفسية، كما لا يعني أنه يرتبط فقط بمكبوثات الإنسان وشهواته كالطاقة الجنسية (الليبيدو)، بالإضافة إلى أنه لا يرتبط فقط بالبعد السيكولوجي (النفسي) للإنسان، بل يتعداه إلى الجانب السوسيولوجي (الاجتماعي) أيضا، و بهذا لا يمكن التسليم بأن الإنسان كائن لاواعي بكل بساطة، و إلا لأصبح مثله مثل باقي الموجودات التي تعتبر لاواعية كذلك، كما تجدر الإشارة إلا أن الوعي يرتبط أيضا بالوجود الاجتماعي، و من هذا المنطلق و بعد كل هذا نجد أنفسنا أمام إشكال فلسفي آخر مفاده : هل الإنسان فعلا لا واع بذاته و ما يصدر عنها من سلوكيات و أفعال ؟ و هل يقصد كل ما يفكر فيه و يفعله يا ترى ؟ و ما علاقة وعي بالوجود الاجتماعي ؟ و من يحدد الآخر ؟ و ما علاقته بالمعنى أيضا باعتبار أفعال الانسان ذات معنى ؟
موقف الفيلسوف إميل شارتي (آلان) ص 19 :
ينتقد الفيلسوف إميل شارتي و الملقب ب"آلان" تصور مدرسة التحليل النفسي لقولها باللاشعور كعنصر متحكم بالحياة النفسية للإنسان، و يرى في المقابل أنهم بالغوا في تقدير هذا الكائن الخرافي في نظره بناءا على علامات عادية جدا، إذ أنهم جعلوا من أفعال الإنسان أفعالا تفتقر لأي سبب عدا الغريزة التي تحكمه، ويقدم في هذا الصدد مثال تفسيرهم ل"الخوف الهستيري" ، فبجعلهم اللاشعور مصدر التحكم، فقد أعادوا كل الأسباب إلى الغريزة مما يجعله حيوانا لا أقل و لا أكثر بنظر آلان، كما أن قولهم بهذا الكائن الشيطاني في نظره جعلهم ضمنيا يقرون بوجود أنا أخرى داخل الحياة النفسية للإنسان، مما يجعله مفتقرا إلى الوحدة و الثبات على مستوى أفكاره و تصرفاته، و في المقابل يخلص آلان من هذا النقد إلى أنه لا يمكن لنا إلا التسليم بأن الإنسان كائن واعي و لا يوجد فينا من أفكار سوى ما تمحنا إياه الذات الفاعلة، أي الذات الحرة و المسؤولة عن كل أفكارها و قرارتها و أيضا الذات الواعية بكل أفكارها و دوافعها و عواطفها، و من هنا لا يمكن القبول بالنظرية الفرويدية حسب آلان و القول بعدم مسؤولية الفرد و لا حريته في تفكيره و قراراته و تصرفاته، بل إن الإنسان يظل واعيا على الدوام بكل دوافعه و أفكاره و فاعلا مستمرا فيها .
.png)
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .