آخر الأخبار

مجزوءة الوضع البشري - مفهوم الشخص - محور الشخص بين الضرورة و الحرية


 

محور الشخص بين الضرورة و الحرية

تأطير إشكالي :

إذا كانت قيمة الشخص تنبع من عقلانيته و تميزه بالأخلاق في طريقة التصرف مع الآخرين داخل المجتمع ،فإن هذا يجعله بالحتم خاضعا لنوع من الإلزام في أشكاله فعله و تصرفاته ، و هو و هذا و ناهيك عن أن هنالك قوانين بيولوجية و فزيائية يخضع لها باعتباره كائنا حيا له وجود مادي داخل الطبيعة ، لكن ، ألا يعني في المقابل أن فعل و سلوك هذا الشخص يضل موجها و مؤطرا بهذه القوانين التي تفرض نفسها عليه ؟ هذا بالضبط هو ما يحملنا على طرح الكثير من التساؤلات من قبيل التالي : ما الحرية ؟ و ما الضرورة ؟ و هل الشخص يا ترى كيان حر و مستقل عن أي إلزام أو إكراه أم أنه خاضع لضرورات و حتميات لا سبيل له للإنفلات عنها ؟

الإجابة عن الإشكال :

أطروحة محمد عزيز الحبابي : من الكائن إلى الشخص .

يؤكد رائد الشخصانية عزيز الحبابي في أطروحته على أن الإنسان كائر حر، لكن حريته تظل مشروطة بالوضع الواقعي و المجتمعي و الثقافي له، بمعنى أنها ليست حرية مطلقة وليست ذاتية ،بل إن هذه الحرية لا تتحقق في نظره إلا من خلال عملية التشخصن التي ينتقل فيها الإنسان من صفة الكائن الخاضع و الطائع إلى الشخص الحر و المسؤول ،و هكذا فإن حريته تكبر و تتسع بقدر ما تنمو شخصيته في المقابل ، و منه يستطيع الشخص تحقيق ذاته تبعا لفعله الواعي و الحر و المسؤول .

أطروحة جون بول سارتر : الإنسان مشروع حر في النهاية .

من الصحيح أن الإنسان مشروع حر في عرف فلسفة سارتر ، لكن حريته تظل دائما مقيدة بشروط ، و الشرط الأساسي لبلوغ الحرية في نظر سارتر هو القدرة على تجاوز الوضعيات التي يقع داخلها الإنسان عند انبثاقه بالوجود ، فالوجود الإنساني سابق على ماهيته ، و لكن نزوع الإنسان إلى الحرية يظل مرهونا دائما ببذل الكثير من الجهد لتجاوز أي ماهية معروضة عليه ، أي الوعي بالقيود و السلاسل و كذا الطبائع التي يمكن إن تلتصق بماهية الإنسان ، من ثقافة و سلوك و نمط عيش و العمل على تجاوزها و الاختيار الحر داخلها و خارجها .

باروخ اسبينوزا : الحرية هي الوعي بالقوانين .

إن حرية الإنسان حسب اسبينوزا ما هي إلا حرية وهمية مبينة على الظن و الاعتقاد ، و هذا الأخير هو ما يشكل الرأي العامي و فقط في نظره حول الحرية ، ففي الغالب ، الإنسان يعي شهواته و رغباته حسب اسبينوزا ، و بالتالي هو يعي ما يقوم به كمجهود و كفعل في سبيل تحقيق هذه الرغبات ، لكنه يظل في الأخير جاهلا للأسباب التي جعلته يرغب و يقوم بمجهود لتحقيق رغبته ، لأنه و بكل بساطة الإنسان لا يعي الحتميات و الضرورات المطبقة عليه من الأساس ، و بالتالي لا يوجد إلا وهم بالحرية بالأخير .

تركيب :

كخلاصة لما سبق، يتبين لنا أن قضية حرية الإنسان من عدمها تظل في حاجة إلى المزيد من التوضيح و البحث ، كل ذلك من أجل معرفة إمكانات و حدود التحرر لدى الإنسان ، و بناء على ذلك أيضا ، لا يسعنا إلا أن نهتدي إلى أن الإنسان لا يوجد ابدا في وضع حر بشكل مطلق و مستمر في الزمان و المكان ، بل إن حرته مقيدة و خاضعة دوما لقيود ، لكن النتيجة الأهم من ذلك هو إدراكنا الدائم بأنه و كلما اتسعت رقعة وعينا و معرفتنا بأنفسنا و الواقع الذي نوجد فيه ، فإن حدود حريتنا تتسع كذلك ، و بهذا يظل طموحنا المستمر في النهاية هو السعي إلى المزيد من الوعي بذواتنا و الواقع و من ثم السعي إلى أكبر قدر من الحرية .

ملاحظة :

 في حال أردت خطاطة توضيحية تضم كل ما سبق ، اضغط على الملف تحت لتحميله بصيغة pdf :


تعليقات