آخر الأخبار

مفهوم الرغبة - محور الرغبة و السعادة - مواقف ديكارت و أبيقور

 

محور الرغبة و السعادة

تأطير إشكالي :

لطالما ارتبطت الرغبة الإنسانية بغاية من الغايات، ولعل مسعى كل رغبة في الأخير هو جلب قدر أكبر من الرضى للذات و عن الذات، وفي هذا السياق تعد السعادة أسمى الغايات المترتبة عن الرغبة، و لكن هذه السعادة لا تتولد عن الراحة و الكسل أو من فراغ، بل عن جهد مستمر لتحقيقها، مما يجعلنا نشقى في سعينا لتحقيق رغباتنا أيضا، و من هنا ارتبط مفهوم الرغبة بالسعادة و الشقاء، مما يجعلنا أمام الإشكالات التالية : ما غاية كل رغبة إنسانية؟ و ما علاقتها بالسعادة ؟ و هل يؤدي إشباع رغبة ما فعلا إلى تحقيق السعادة أم الشقاء ؟ و هل غاية الرغبة واحدة أم متعددة ؟ .

 

معالجة الإشكال

 

موقف ديكارت : تحقيق البهجة هو غاية الرغبة و الحب أسمى البهجات .

يرى ديكارت أن الرغبات تتعد بتعدد موضوعاتها، و أن غايتها في الأخير هي تحقيق البهجة و السرور، و لكن هذه البهجة درجات حسب الموضوع المبهج، فالبهجة المتولدة عن النظر إلى زهرة تختلف عن البهجة المتولدة عن أكل فاكهة ما.. و هكذا دواليك، و لكنه يخلص إلى أن أعظم و أعلى بهجة تتولد عن الرغبة هي الإحساس بالحب .

موقف أبيقور : اللذة فضيلة الحياة السعيدة .

إن المدرسة الأبيقورية اليونانية قد اعتبرت إشباع اللذة أسمى غاية و فضيلة إنسانية من الوجود، و في نفس السياق يرى أبيقور أن الرغبات تتعدد بتعدد منطلقاتها، وبهذا يقسم الرغبات إلى رغبات طبيعية و أخرى عبثية، و سواء كانت ضرورية أم العكس، فإن هدفها جميعا هو تجنب الآلام و اضطرابات النفس و تهدئته، و من هنا تتولد نشوته برغبته فتنتهي آلامه و اضطراباته، و بهذا فإن اللذة مبدأ الحياة السعيدة  .

موقف ابن مسكويه : السعادة تكمن في قهر اللذة .

يذهب رائد الفلسفة الإسلامية ابن مسكويه إلى أنه لا ينبغي الظن أن الكمال الإنساني يكمن في تحقيق اللذة، إذ أن النفس الناطقة أو العاقلة و التي تعتبر شريفة و هي أسمى وظائف النفس، هذه النفس وُهبت لنا من أجل التحكم في شهواتنا و أهوائنا، و أما الخضوع لهذه الأخيرة فهو يحط من الإنسان إلى درجة الحيوانية عنده، و بالتالي فغن السعادة الحقيقية تكمن في السيطرة على اللذة و قهرها و ليس الخضوع إليها و عبوديتها .

تركيب :

كخلاصة لما سبق، يتبين لنا أن الرغبة قد ارتبطت بكل من السعادة و الشقاء لدى الإنسان، فمجمل الجهد و الشقاء الإنساني هدفه تحقيق السعادة في الأخير، مما يجعل من السعادة و الشقاء وجهان واحدان للرغبة، كما أن الفضيلة المترتبة عن الرغبة تختلف باختلاف موضوعاتها، كما أنها تختلف من شخص إلى آخر، فالسعادة لا تنصب على ما هو حسي ولذي و فقط، بل إنها تتلازم أيضا مع العقل، و من ثمة فإن الرغبة لا ترقى إلى مستوى السعادة الحقيقة إلا عندما يتم السيطرة عليها و اتزانها مع ما يحتكم إليه العقل و الأخلاق، و هو الأمر الذي يرقى بالإنسان و يميزه عن الحيوان .


تعليقات