الفلسفة و الدين
مطلب التحليل و المناقشة
أولا : مطلب التحليل : تحليل نص ابن رشد ص 26
التعريف بصاحب النص :
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد ، ولد ب1126م و توفي ب1198م، و الموافق ل520-595 هجرية، و يعد ابن رشد من أعظم الفلاسفة المسلمين، و قد لُقب بالشارح الأكبر لأنه خصص حياته لشرح مؤلفات أرسطو و تلخيصها، و هو فقيه و عالم و طبيب، كما اشتغل في القضاة... الخ ،كما اهتم بالدفاع عن الفلسفة في المجتمع الإسلامي، و من أبرز مؤلفاته : فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من اتصال، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة ،و تهافت التهافت.. .
تأطير النص :
يأتي هذا النص و المقتطف من كتاب فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة و
الحكمة من اتصال للفيلسوف ابن رشد، و الذي يحاول فيه دراسة قضية العلاقة بين
الشريعة و الحكمة، أي العلاقة الدين و الفلسفة، أو ما يصطلح عليها بجدلية العقل و
النقل بالعصر الوسيط، و هي قضية مؤرقة عاشها إنسان العصر الوسيط عموما، و نتحدث
هنا عن إنسان الحضارة العربية الإسلامية على وجه الخصوص، و قد حاول ابن رشد من
خلال هذا تقديم إجابة عن هذه الجدلية من أجل تجاوزها، و ذلك عن طريق إقامة نوع من
التوافق و الائتلاف بين غاية الفكر الديني و غاية الفكر الفلسفي، بين طريق النقل و
طريق العقل .
المفاهيم الأساسية للنص :
الفلسفة : حسب سياق النص، فالفلسفة تفيد النظر و البحث العقلي في الموجودات (المخلوقات) و البحث في كيفية خلقها و صنعتها من حيث دلالتها على الصانع (الخالق) .
الندب/المندوب : حكم شرعي يقابله المكروه، و يقصد به المستحب أو المدعو إليه و
المُستحسن .
الوجوب/الواجب : حكم شرعي يقابه النهي، و هو الأمر الذي يشرط و يلزم الدين بفعله أو
عدم فعله .
الموجودات : مجموع مكونات و ظواهر الكون، و هو كل شيء مخلوق و موجود بالعالم و
الكون .
القياس : استدلال
عقلي أو طريقة للبرهنة ننتقل فيها من مقدامت بديهية لنصل إلى نتيجة منها، و في
الغالب ننطلق فيه من مقدمتين، بينهما حد وسط، إلى نتيجة متضمنة في المقدمتين ،
وكمثال على ذلك :
المقدمة الأولى : كل إنسان فان
و
المقدمة الثانية (الصغرى) : سقراط إنسان
النتيجة المنطقية : سقراط فان
النظر البرهاني : أو القياس الشرعي، وهو القياس الأكثر صدقا، وقوة صدقه ناتجة عن قيمة و صدق مقدماته و بداهتها .
الشرع : المقصود به
في سياق النص الدين و العقيدة .
الصانع : الخالق (الله في ثقافتنا) .
النظر : التأمل
العقلي في المخلوقات و اعتبارها، أي البحث في أحوال الوجود و تفحصه عن طريق
العقل .
السؤال الإشكالي المفترض أن يجيب عنه النص (إشكالية النص) :
ما موقف الدين من فعل التفلسف و الفلسفة عموما ؟ و ما غاية كل منهما ؟
و ما طبيعة العلاقة بين الدين و الفلسفة ؟ هل هي علاقة تعارض وتنافرأم توافق
و انسجام ؟ .
موقف صاحب النص من الإشكال (أطروحة النص) :
يؤكد
ابن رشد على أنه ما دام غرض التفلسف و الفلسفة هو البحث في الموجودات و كيفيات
وجودها كدلالة على قدرة الموجد (أي الصانع) ، و ما دام الشرع يندب أي يستحب و يدعو
إلى التأمل و النظر في الموجودات، فإن هذا التأمل و النظر يعتمد على العقل
بالأساس، و بالتالي الدين يدعو إلى التفلسف في الوجود، أي التأمل و التفكر في
الموجودات عن طريق القياس العقلي و الشرعي معا، و بهذا تكون العلاقة بين الشرع و
الفلسفة علاقة تكامل و توافق على الدوام، و كما قال فيلسوفنا ابن رشد، فالحق لا
يضاد الحق بل يوافقه و يشهد له، أي أن العقل/الفلسفة لا يضاد النقل/الشرع، بل
يكمله و يقويه و يثبت حقيقته و عظمة الله .
الأفكار الأساسية للنص :
- إن الهدف الأول و الأخير للفلسفة حسب ابن
رشد هو البحث بالعقل في الموجودات و طريقة خلقها و كيفية صنعتها من أجل معرفتها
أكثر، مما يزيد من معرفتنا لصانعها و خالقها .
- إن الدين يدعوا و يستحب في كثير من الآيات
البحث في الموجودات و التأمل فيها و اعتبارها بالعقل، و قد يكون ذلك واجبا في بعض الأحيان
.
- بما أن الفلسفة هي البحث و التأمل في
الموجودات و معرفتها بالعقل من أجل معرفة الصانع، و الدين يدعوا إلى البحث و
الاعتبار في الموجودات عن طريق العقل من أجل معرفتها و معرفة الخالق، فإن غرض
الفلسفة و الدين هو استخدام العقل و البحق في الموجودات من أجل التوصل إلى معرفة
حقيقة الصانع، فالحق لا يضاد الحق، بل يشهد له و يوافق له، و الحق الأول هنا هو
العقل، و الثاني هو الدين، فالعقل لا يضاد مع الدين، بل يؤيده و يزيد من قوته و
صدق قوله .
تركيب :
بناءا على ما سبق يتضح أن الفيلسوف العربي قبل الأندلسي القرطبي ابن رشد يقرر توافق و عدم تعارض الشريعة و الحكمة (الدين و الفلسفة)، فهما أختان بالرضاعة، يرضعان من نفس المنبع، و هو الحق، و غرضهما غرض واحد هو الفضيلة (الخير و السعادة)، كما أن دفاع ابن رشد حول قضية فهم الشريعة بواسطة النظر العقلي أي المنطق، هي دعوة إلى النظر في كتب القدامى، أي اليونانيين، فلما كان المنطق يؤدي إلى الحق، و الشريعة حق، فإن الحق ال يضاد الحق، بل يوافقه و يشهد له، و قد كانت هذه محاولة جدية و مهمة منه في الدعوة إلى استخدام العقل و المنطق، و الانفتاح على طرق جديدة في البحث عن الحقيقة كغاية قصوى لدى الإنسان .
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .