آخر الأخبار

محور منطق الفلسفة - أدوات فعل التفلسف - تحليل نص كارل ياسبرز أدوات فعل التفلسف ص42

 

المحور الثالث : منطق الفلسفة

 تأطير إشكالي عام :

 لقد تميزت الفلسفة بكونها خطابا عقلانيا منظما و متماسكا منذ نشأتها بالحضارة اليونانية، و هذا بالإضافة إلى أنها قول استدلالي و برهاني أيضا، فالفلسفة لديها نظامها و نسقها المتميز، كما أن لها منطقھا الحجاجي والبرھاني أيضا، و كل ذلك یمیزھا عن الخطابات الأخرى كالخطاب الأسطوري أو الخطاب الدیني، غير أن ھذا الخطاب لیس كلاما جاھزا بل ھو فاعلیة و إبداع و سعي مستمر نحو فھم الذات الإنسانية والعالم الذي یحیط بھا . و هذا كله يدعى بفعل التفلسف، فالفلسفة شيء، و التفلسف شيء آخر، و حتى نتمكن من فعل التفلسف لتحصيل فلسفة معينة من الفلسفات، و نتمكن من ھذه الفاعلیة ،یجب أولا معرفة الآليات والوسائل التي تمكننا من الخوض في التفلسف وممارسة النشاط الفلسفي، و هذا ما يجعلنا نقف عن التساؤل المستمر : ما الطريق إلى فعل التفلسف ؟ و ما ھي الآليات الأساسية للخطاب الفلسفي ؟ ثم هل للفلسفة منطق معين يميزها عن باقي أنواع الخطابات الأخرى ؟ و إذا كان لها منطقا خاصا بها، فما هو منطق الفلسفة و التفلسف ؟

أولا : أدوات فعل التفلسف

تمهيد :

إن فعل التفلسف لا يقوم بناء على فراغ أو عشوائية أبدا، بل إنه يحتاج إلى بعض المتطلبات الضرورية لذلك، أو لنقل بعض الأدوات و الآليات التي من شأنها أن تمكننا من ممارسة هذه الفاعلية للبحث في ذواتنا و العالم، و في هذا السياق نتساءل : ما هي أدوات ووسائل فعل التفلسف ؟ و هل يمكن الاستغناء عنها في فعل التفلسف أم لا ؟ .

مطلب التحليل : تحليل نص كارل ياسبرز - Karl Jaspers ص42

التعريف بصاحب النص :

 ھو فيلسوف وطبيب نفسي ألماني، ولد سنة 1883 بألمانيا وتوفي سنة 1969 بسويسرا، عرف في زمانه كممثل للفلسفة الوجودية الألمانية، من أھم مؤلفاته  : - مقدمة إلى علم النفس المرضي 1913 ، - الفلسفة الوجودية 1938 ، - في أصل التاريخ وھدفه 1958 ،و الفلسفة والعالم . 1958

إشكال النص :

ما أصل فعل التفلسف ؟ وما ھي آلياته وأدواته الأساسية ؟ و هل يمكننا الاستغناء عنها في ممارسة فعل التفلسف ؟ .

 مفاھیم النص :

الدهشة : من أجل فهم معنى الدهشة في سياق النص، تجدر الإشارة هنا إلى ثلاث أنواع من الدهشة هي :

الدهشة العامية : أي دهشة الإنسان العادي، و معناها أن نندهش من الأشیاء الغير مألوفة و التي تحدث أمامنا فجأة وتكون حول كل ما هو مثير للانتباه لدل عامة الناس (مثل تساقط النيازك، ظاهرة الخسوف و الكسوف.. ) .

الدهشة العلمية أو دهشة العالم : حيث يستغرب العالم من حدوث ظاهرة ما لم يجد لها تفسيرا منطقيا أو علميا بعد، و كمثال على ذلك، عندما اندهش نيوتن في سقوط التفاحة، فبينما یعد ھذا الحدث عادیا عند عامة الناس فإن نيوتن قد أثار عنده جدل حول سبب سقوط التفاحة و عدم سقوط القمر في المقابل، مما جعله يتساءل عن سبب الظاهرة، فتوصل في بحثه إلى قانون الجاذبية .

الدهشة الفلسفية : و هي التي تهمنا أكثر هنا، و يقصد بها الدهشة من الأشیاء الاعتیادیة و المألوفة لدينا و لدى عامة الناس، وهذه الدهشة تنتاب الإنسان المتفلسف أو المفكر عموما، وكمثال لدهشة الفيلسوف، حينما اندهش نيتشه في القيم و المعايير التي نحكم بها على الأشياء بأنها خيرة أو شريرة، مما جعله يتساءل عن جذور و أصل الأخلاق، و كمثال آخر في واقعنا المعيش يوجد التقاليد و العادات، فليس من العادي لدى الفيلسوف مثلا إهداء خاتم للزوجة أثناء الزواج و هذا يقودنا إلى الشك و التساؤل حول قيمة و أصل عادة إهداء الخاتم للزوجة في مقابل عدم إهدائها قلم أو كتاب في المقابل مثلا ...  .

الشك : یقدم معجم أندري لالاند تعريفا للشك باعتباره حالة الفكر عندما یطرح سؤالا واستعلاما عما إذا كان قول ما صحيحا أو فاسدا، والذي لا یجیب عنه حالیا، فيظل مطروحا للنقاش و البحث .

الوعي بالذات : ھو عبارة عن حدس (تام أو نسبي) یكونه العقل عن أحواله وأفعاله و سلوكياته، فالقول أن الإنسان واع، معناه أن لدیه إدراك و معرفة مباشرة بذاته أولا وبعالمه الخارجي ثانيا .

أطروحة النص :

يعرض كارل ياسبرز لوجهة نظره حول موضوع أصل التفلسف والدافع إلیه، مؤكدا على أن فعل التفلسف يقوم على آليات أساسية لابد منها، وھي الدھشة والشك و التساؤل، بحيث أن دهشة الإنسان في موضوع أو ظاهرة أو حدث ما هو من يقوده إلى الشك فيه و بالتالي يضع الموضوع أو الظاهرة موضع تساؤل و يتساءل حولها من أجل فحصها، مما يؤدي به إلى البحث عن إجابة و تحصيل معرفة حقيقية عن ماهيتها، و هذا هو جوهر التفكير الفلسفي و التفلسف حسب كارل ياسبرز  .

أفكار النص الأساسية :

یبدأ النص بشرح الأصل الذي انبثق منه الدافع إلى التفلسف، والذي ھو الدهشة التي تولد الشك، هذا الأخير الذي یؤدي بدوره إلى التساؤل و بالتالي إلى المعرفة .

یشرح صاحب النص فكرة الدهشة باعتبارھا أصل للفلسفة، من خلال استحضار أفلاطون وأرسطو، فالأول یعتبر أن دھشة الناس اتجاه النجوم و الشمس والسماء ھي ما دفع النفس إلى التفلسف، أما أرسطو فاعتبر ھذا التفلسف ناتج عن الدھشة باعتبارھا رغبة إنسانیة في المعرفة .

یبین صاحب النص أن الشك ھو أصل فعل التفلسف و ھو ناتج عن الدھشة، و هو بذلك یدل على الرغبة في معرفة حقيقة الأشیاء و فحصها ونقدها، و بالتالي فإن المعرفة الناتجة عن الدھشة والشك، ھي معرفة یقینیة حسبه .

البناء الحجاجي للنص :

لقد اعتمد كارل ياسبرز مجموعة من الآليات الحجاجية لدعم رأيه هذا و إقناعنا به، و لعل أبرزها ما يلي :

التأكيد : حيث انطلق صاحب النص من التأكيد على أن الينبوع الذي ينبع منه فعل التفلسف هو الدهشة، و يتجلى ذلك في قوله (إن الأصل و الينبوع..) .

الشرح و التفسير : حيث عمد ياسبرز إلى شرح دور الدهشة في الشك و طرح التساؤل و بالتالي بناء المعرفة بقوله (فالدهشة تستتبع التساؤل..) .

العد و الإحصاء : و هذا يتوضع من خلال تحديده لثلاث آليات للتفلسف (الدهشة، الشك و التساؤل)، ثم المرور إلى توضيح كل واحدة على حدى .

الاستشهاد أو الحجة بالسلطة : يعد الاستشهاد أحد الآليات الحجاجية القوية في الفلسفة و غيرها من ميادين المعرفة، و هو استحضار قول أو نص ما لشخص متخصص في مجال معين من أجل دعم وجهة نظر معينة، و أما كارل ياسبرز هنا فقد استدعى قول أفلاطون كفيلسوف للاستشهاد به في رأيه الفلسفي، و ذلك حينما قال (إن أصل الفلسفة هو الدهشة) ، و كذلك استدعى قول أرسطو الذي صرح بأن (الدهشة هي التي دفعت الإنسان إلى التفلسف) .

تركيب :

من خلال ما سبق عرضه، يمكن أن نخلص مع كارل ياسبرز إلى أن فعل التفلسف لا ينبني و لا يوجد من فراغ، بل هو يتشكل نتيجة لعدة عوامل أساسية تبدأ من دهشة الإنسان في موضوع أو شيء ما، مرورا إلى الشك في هذا الموضوع ثم التساؤل حوله من أجل الوصول إلى معرفة يقينية حوله، و بهذا فإن فعل التفلسف يقوم عموما على ثلاث آليات جوهرية هي : الدهشة و الشك و التساؤل . لكن هذا القول يحملنا على التفكير في الأدوات التي تتم بها هذه العمليات و المراحل الثلاثة، فما هي أدوات ممارسة هذه العمليات التي تشكل جوهر فعل التفلسف يا ترى ؟ .

تعليقات