محور المجتمع و السلطة
تأطير إشكالي :
إنه و بالحديث
عن علاقة الاتصال الجدلي
بين المجتمع و الأفراد، و التي تتم غالبا عن طريق مجموعة من القوانين و القواعد
المنظمة للأفراد ، كما تتم عن طريق سلطات و مؤسسات أيديولوجية و زجرية، فإن هذا
الحديث يجرنا بكل تأكيد للبحث في أساس هذه المشروعية المعطاة للمجتمع بمؤسساته و
سلطاته في تحديد سلوكيات و قيم أفراده، فبالرغم من القيم و الثقافة و المصالح
المشتركة فيما بين الأفراد، إلا أن الإنسان قد تميز بالاختلاف أيضا، و لذلك
فالمجتمع غالبا لا يمكنه ممارسة تأثيره على هؤلاء الأفراد إلا عن طريق إخضاعهم و
إدماجهم داخل النسق المجتمعي ككل، و هذا لا يتم إلا عن طريق سلطة، و هذا ما يحيلنا
على التساؤل المستمر، فكيف يمارس المجتمع سلطته على الأفراد ؟ و هل للسلطة دور في
استمرار المجتمع أم لا؟ .
التحليل و المناقشة
مطلب التحليل : تحليل نص المجتمع و القهر لألكسيس دو طوفيل ص54
المفاهيم الأساسية للنص :
المجتمع : هو مجموع
العلاقات التي تربط بين الأفراد داخل نطاق أو حيز معين، و في سياق النص، فهو مجموع
المؤسسات و السلطات القهرية التي تسلب الفرد ذاتيته و تفقده أحاسيسه و كينونته .
الفرد : هو جزء
لا يتجزأ من المجتمع، و هو عنصر فاعل له دور في تشكيل المجتمع و عمله، غير أنه يظهر
في سياق النص على أنه الكائن المسلوب أحاسيسه و كينونته من طرف المجتمع .
السلطة المطلقة
: هي نوع من الحكم الجبري و الاستبدادي الذي يمارس على الأفراد من طرف مؤسسات
المجتمع .
إشكالية النص :
هل الفرد حر أم مقيد داخل المجتمع ؟ وإذا كان مقيدا، فما هي أشكال السلطة
التي يمارسها المجتمع على الفرد ؟ .
أطروحة النص :
بناءا على بحوثه
في السياسة و التاريخ، يقدم لنا ألكسيس دو طوفيل تصورا نلمسه اليوم في طبيعة
السلطة التي يمارسها المجتمع على أفراده ،خصوصا المجتمعات الليبرالية الحديثة، و
التي أصبح بقاءها رهينا بممارسة السلطة و القهر على أفراده، و هي سلطة جبارة و
قاهرة و مطلقة في نظره يتم من خلالها تنميط الأفراد و حشدهم داخل نمط اجتماعي
موحد، و هذا ما يجعلهم منشغلين بالاجتماع أكثر انشغالهم بذواتهم و نزعاتهم
الفردية، و قد ميز مؤرخنا السياسي هذا في هذا الصدد بين الفردانية و الأنانية، حيث
أن الأولى نتاج الحرية الديمقراطية القاضية بالحرية الفكرية و الجسدية شريطة عدم
المساس بالآخرين، كما أنها مبنية على العقلانية، عكس الأنانية التي هي حب مفرط
للذات، و من هنا لعب الاضطهاد و الاستبداد الممارس على الأفراد دورا في تحويلهم
إلى كائنات معزولة بدون إحساس بالغير، كائنات لا تعيش قضاياها و مصيرها المشترك، و
لا تختار عالمها الخاص باستقلالية و حرية تامة .
البناء الحجاجي للنص :
لقد اعتمد ألكسيس
دو طوفيل على ثلة من الدعامات التي دافع بها عن اطروحت، و لعل أهمها ما يلي :
التعريف : حيث أقام
صاحب النص تعريفا لنوع الضيق الذي يهدد و يجتاح المجتمعات الحديثة .
الشرح و التفسير
: في هذا السياق عمد صاحب النص إلى شرح و تفسير نوعية الضيق الذي يسيطر على المجتمعات
الحديثة.. و هذا بناء على قوله (..أعتقد أن.. أحاول تعريفه ..) .
أسلوب الوصف : حيث
يقدم دو طوفيل عرضا للصفات التي أصبح يتميز بها الفرد خلال المجتمع الحديث الذي
يحد من حريته و يضيق الحصار عليه و يسلبه أحاسيسه، وهذا من خلال قوله (..أريد أن..
) .
الاستفهام الاستنكاري : حيث عمد صاحب النص إلى ختام نصه بسؤال استنكاري حول دور السلطة في تخلص الفرد تفكير و شقاء هذا المجتمع عبر قوله ( هل باستطاعتها أن نرفع عنهم قلق التفكير و شقاء العيش ؟..) .
مطلب المناقشة : تحليل نص رالف لنتون : غاية السلطة هي ترسيخ نموذج ثقافي و توارثه بين الأفراد
أطروحة رالف لنتون :
تتميز السلطة
التي يمارسها المجتمع على الأفراد حسب رالف لنتون بكونها سلطة غير مباشرة، و هي
تمارس عن طريق التنشئة الاجتماعية التي تهدف إلى تنميط و تطبيع الأفراد على نماذج
ثقافية معينة، و توحيد قيمهم و ثقافتهم باعتبارها شيئا ضروريا داخل الحياة الاجتماعية،
و يأتي هذا انطلاقا من إشباع المجتمع لحاجات أفراده و تلبيتها و ضمانها، و هذا ما
يعمل على ترسيخ النماذج الثقافية للمجتمع و توارثها من جيل لآخر عن طريق تناقلها و
تلقينها فيما بينهم، و هكذا فإن المجتمع حسب رال لنتون يمارس سلطته على الأفراد
انطلاقا من التنشئة الاجتماعية كعنصر مهم لكل مجتمع، و كأداة لتلقين الثقافة و
نقلها و توارثها عبر الأجيال و على مر التاريخ .
تركيب :
يتبين من خلال ما سبق، أن حاجة المجتمع إلى
السلطة تنبع من حاجته إلى الاستمرارية، فبالرغم من الجانب السلبي للسلطة، إلا أن
دورها ضروري في الحفاظ على تماسك المجتمع و استمراره، لأنها تضمن الحفاظ على علاقات
الأفراد فيما بينهم، كما تضمن مصالحهم الذاتية و الجماعية، لكن هذا لا ينفي دورها
السلبي في إزعاج الأفراد عن طريق إخضاعهم بالعنف أو القوة، و من ثم عدم استقلاليتهم
و حريتهم، و من هنا يظهر كل من الجانب السلبي للسلطة و والإيجابي لهذا كله، السلبي
المتمثل في سلب حرية الفرد و تقييده، و الإيجابي الذي يضمن له مصالحه و استقلاليته
كذلك في أحيان أخرى .
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .