محور الفرد و المجتمع
تقديم :
عادة ما نعرف المجتمع على أنه تكتل و ائتلاف للأفراد.. و
بهذا نقر ضمنيا بالعلاقة الجدلية التي تربط المتجمع بالفرد و العكس، لكن نوعية و
أسس هذه العلاقة تحمل في طياتها بعض الجدل، و هذا الأخير ينبع من مستويين، أولهما
مستوى التميز الوظيفي التي يتحدد فيه الفرد للآخرين بناء على وضعياته و ممارسته في
المجتمع (جندي، أستاذ، حلاق، أب أسرة، مواطن)، مما يجعل الأفراد ضروريين لبعضهم
البعض من أجل تحقيق السعادة من جهة، والإنسانية من جهة أخرى، أما المستوى الثاني
فهو الارتباط الداخلي، و هو الذي كان يؤطر علاقة الأفراد داخل جماعات قديما، و قبل
المجتمع الحديث، و هذا المبدأ ضروري من أجل أن يكسب الإنسان إنسانيته، إذ لا يمكنه
تحقيقها بعيدا عن علاقته بالجماعة التي تشهد له بوجوده و كينونته كإنسان و ليس ككائن
حي أو حيوان مثل الحيوانات و فقط . ووفق
هاذين المستويين تتحدد الإشكالات المتعلقة بالفرد و المجتمع، بداية بدلالات
الفرد كمفهوم قبل كل شيء، و ثانيا بنوعية العلاقة التي تربط بين الفرد و المجتمع،
بحيث بات من الجائز أن نتساءل : ما دلالة الفرد ؟ و ما نوعية العلاقة التي تربطه
بالمجتمع ؟ و هل الفردانية انحراف من حيث انفصال عن أقرب الناس إليه أم أنها شيء ضروري
لتواجد الفرد بذاته ؟ و هل يمكن للفرد أن يحقق وجوده بعيدا عن الجماعة أم لا ؟ .
مطلب التحليل و المناقشة
مطلب التحليل : تحليل نص الفرد و التماسك الاجتماعي لإميل دوركايم
تأطير النص :
يأتي هذا النص قيد التحليل و المناقشة لعالم الاجتماع
الفرنسي إميل دوركايم E.Durkhem في سياق بحثه و دراسته لنوعية العلاقة التي يجب أن تربط الفرد
بالمجتمع، وللتمييز أيضا بين نوعين من العلاقة، أحدهما عضوي و الآخر آلي، و الذي
تختلف فيهما كل من دلالة الفرد و أيضا علاقته بالمجتمع .
المفاهيم الأساسية للنص :
الفرد : يتحدد تعريف الفرد حسب سياق النص و إميل
دوركهايم حسب مستويين، الأول هو التضامن الآلي، حيث يكون فيه الفرد نتاج لأفكار و
قواعد و مصالح الجماعة التي ينتمي إليها، كما تتحدد هويته انطلاقا من وظيفته
الآلية التي يقوم بها داخل الجماعة، و من الهوية خاصة بهذه الجماعة ، أما حسب
المستوى الثاني الذي هو التضامن العضوي، فإن الفرد يظهر فيه كذات و كشخصية متفردة
و متميزة بذاتها، مما يضفي على الفرد صفة التشخصن الذي يكتسبه من انفراده و حريته
في دوره لا من وظيفته و الهوية الجماعية التي يتتمي إليها .
التضامن الآلي : هي تلك العلاقة التي تنشأ داخل جماعة
تسود فيها الهوية و الإرادة الجماعية و المصالح
المشتركة، بحيث تنصهر هوية الفرد بفعل الهيمنة الجماعية .
التضامن العضوي : هو العلاقة المبنية بين الفرد و
المجتمع على الإرادة الفردية و حرية الاختيار، و الذي يراعي فيه المجتمع اختلاف
الأفراد و تفردهم و تميزهم في شخصياتهم و أدوارهم، مما يرسي العلاقة بين الفرد و
المجتمع و يجعلها متماسكة أكثر .
تقسيم العمل : هي وسيلة تساعد على تنظيم العمل بين
الأفراد و تحديد أدوارهم على النحو الذي يصب في مصلحة الجميع .
إشكالية النص :
ما دلالة الفرد ؟ و ما علاقته بالمجتمع ؟ هل للفرد دلالة
واحدة أم متعددة ؟ و هل يتحدد الفرد من خلال تفرده و استقلاليته في علاقته بالمجتمع
أم بناء على خضوعه و استلابه من قبل المجتمع ؟ .
أطروحة النص :
بناء على ما سبق، يبدو أن إميل دوركايم قد منح للفرد
دلالتين حسب تمييزه لنوعين من العلاقات و طرق الاجتماع و التضامن، فمن خلال
التضامن الآلي الذي ينشأ بناء على العلاقة العشوائية و التي تتميز بهيمنة الجماعة
على الفرد و على أسلوبه و طريقته في العيش ، إذ ينصهر الفرد في كنف الهوية
الجماعية تحت الهيمنة الممارسة عليه، ولا يوجد بالتالي إلا كآلة أو شيء أو كوظيفة
لا أقل و لا أكثر، أما من خلال النوع الثاني من التضامن و الذي هو التضامن العضوي
الذي يتميز بتقسيم العمل و الأدوار على النحو الذي يتيح للفرد أن يتميز و يريد و يفعل
ما يراه مناسبا له، فإن الفرد يتخذ معنى آخر، كونه الكائن الذي يتفرد بذاتيته و
أفكاره و توجهاته في علاقته مع الجماعة، مما يجعله يحقق الوجود الفردي للشخص و
يمنحه إمكانية العطاء و تقديم الأفضل للجماعة وفق دوره الذي يختاره هو داخل تقسيم
العمل و الأدوار بالمجتمع، و هذا يجعله بمثابة عضو من أعضاء الجسد الذي هو المجتمع،
لكن العضو الذي يختاره و يريده هو لا المجتمع .
البناء الحجاجي للنص :
لقد اعتم إميل دوركهايم في توضيحه و تأكيده لوجهة نظره
الاجتماعية هذه على التمييز كنوع من أنواع الدعامات التي من شأنها أن تقوي طرحه
هذا، و ذلك يظهر جليا من خلال التمييز بين نوعين من أنواع التضامن، أولها الآلي و
الآخر العضوي، و الذي يختلف حسبهما كل من تصور و دلالة الفرد ، كما تختلف علاقته مع
الجماعة أيضا .
تركيب :
بناء على ما سبق، يتضح أن الفرد حسب إميل دوركهايم يتخذ
معنيين حسب نوعية العلاقة التي تربطه بالجماعة، إذ يتحدد من جهة انطلاقا من وظيفته
و جهده المبذول في سبيل الجماعة تارة، فتنبني علاقته بالمجتمع وفق منطق المنفعة و
الجهد المبذول في سبيل الجماعة مما يسقط عنه كل صفات التميز و الابداع، أما من جهة
أخرى، فيبدو الفرد كعضو ضروري للمجتمع كنظام و جسد واحد، غير أنه عضو يتميز بالاستقلالية
في اختياراته الوظيفية داخل جسد المجتمع، و هو لا يتحدد هنا بناء على وظيفته و
حسب، بل على تفرده و توجهاته و شخصيته في استقلالية مع الجماعة أيضا، و هذا يجعل علاقته
بالمجتمع علاقة تراعي تفرده و استقلاليته مع احترام دوره ووظيفته و إتاحة الفرصة لإبداعه
و اختياره في اختيار دوره داخل عملية تقسيم الأدوار بالمجتمع .
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .