المحور الثالث : الفرد و المجتمع
مطلب المناقشة : مواقف كارل ماركس و أكسيس دو طوفيل
أطروحة كارل ماركس : ظهر مفهوم الفرد كنتاج للتطور التاريخي
بالنسبة لفلسفة ماركس التي تنبني على النظرة الجدلية و
التاريخية للمجتمع و الفرد، فإن ظهور مفهوم الفرد و دلالته يتطور بتطور المجتمع
نفسه، و ما الفرد حسب ماركس إلا نتاج لتطور أشكال سابقة للمجتمعات اقتصاديا و
اجتماعيا، و على رأسها العشيرة و العائلة والأسرة، لكن دلالة الفرد داخل هذه
المجتمعات ظلت مرتبطة طبيعيا و بيولوجيا بالعائلة و بما يقدمه الإنسان داخل هذه
الاشكال كعضو منها، أما عند حلول المجتمع الحديث الذي ينبني على الرأسمالية كأرقى
أشكال تطور الملكية الخاصة، و الذي عرف تطورا ملحوظا على مستوى شكل الأسرة الذي ينحوا
نحو الفردانية، فإن الفرد قد أخذ معنى آخر يستمده مما يتفرد به و ينعزل به عن
الآخرين من الجماعة من ملكية خاصة سواء ماديا أم فكريا، بحيث لا تتحقق فردانيته و
لا يكون تميزه إلا في ظل تواجد الجماعة كشرط ضروري، كما لا يمكن للآخرين و المجتمع
أن يكونوا بدونه كطرف لا ينفصل عن الجماعة، و بالتالي فإن الفرد يتحدد وجوده ككائن
اجتماعي و كذات مستقلة فقط في ظل تواجد الجماعة و العكس، كما أن دلالة مفهوم الفرد
تتخذ شكلها بناء على تطور و تقدم هذه العلاقة نفسها عبر التاريخ حسب ماركس .
ألكسيس دو طوفيل : الفرد نتاج للممارسة الديمقراطية التي ترجع الفرد إلى ذاته
بالنسبة لألكسيس دو طوفيل، فإن مفهوم الفرد أو الفردانية
قد ظهر كامتداد لفكرة قديمة هي الأنانية، غير أن يميز بين هاذين المفهومين أكثر، فإذا
كانت الأنانية تفيد الحب المفرط للذات و تفضيلها عن الآخرين فالفردانية حسبه هي شعور
آخر متأصل في أعماق الذات الإنسانية، وهو ما يتحي للإنسان الانعزال و التفرد و التميز
بخصائصه عن الآخرين و الجماعة، لكن هذا المفهوم قد تطور أكثر مع ظهور الديقمراطية،
هذه الأخيرة التي تذهب إلى إقامة نوع من التساوي بين الأفراد في حقوقهم وواجباتكم
و أملاكهم.. ، و بالتالي تتيح إمكانية التحرر أكثر للفرد عن بني جنسه، بحيث تجعله ينصب
فقط على ذاته، مما يؤدي بالفرد حسب دو طوفيل إلى نسيان أصله و أجداده و أقربائه، في
مقابل أنها ترجعه فقط إلى نفسه و تكاد تنتهي به نحو العزلة و الانفراد في عزلته
الخاصة .
تركيب
بالعودة إلى ما
سبق، يمكن القول أن دلالة الفرد قد تختلف و تتطور من وضع تاريخي أو مجتمعي لآخر، و
هي لا تنفصل في ذلك عن المجتمع، فالفرد و المجتمع لا يكونان إلا بوجود بعضهما
البعض كوجهان لعملة واحدة، و قد تتحدد دلالة هذا الفرد عموما بناء على بنائه
البيولوجي كجسم مستقل نسبيا عن الجماعة، كما قد يظهر من خلال وظيفته ودوره كعضو من
أعضاء المجتمع أيضا، و أما في مستولا آخر، فإن الفرد يكتسب قيمته و تميزه الخاص في
انعزاله ز تفرده بخصائصه الذاتية عن الجماعة كذات لها شخصيتها و تكوينها الخاص،
ولن ننسى الإشارة إلى دور الفكر المعاصر الذي ينبني عليه المجتمع و دور كل الديمقراطية
و الملكية الخاصة في منح الفرد دلالته كذات مستقلة بما لها من أشياء و خصائص و قيم
أيضا، وهذا كله يحملنا على القول في النهاية على أن دلالة الفرد ستظل دائما في
تطور نحو الكمال المنعدم، كما أن علاقته بالمجتمع ستظل في جدل مستمر باعتبارهما العنصران
المؤسسان لبعضهما البعض .
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .