محور اللغة و الفكر
مطلب المناقشة : مواقف هنري برغسون و جون بيير واطسون
قيمة أطروحة ميرلوبونتي و حدودها
من
الصحيح من جهة القول مع الفيلسوف موريس مييرلوبونتي بأن اللغة و الفكر شيء واحد،
و أن اللغة لباس الفكر و تجليه في العالم، فهذا يجعل من الإنسان وحدة كلية لا تقبل
القسمة كما تتطابق أفكارنا مع أقوالنا، لكن و ما دمنا أمام إنسان يحتوي أفكارا و
مشاعرا و حالات نفسية مجردة محضة، فإنه من الصعب على اللغة احتواء كل هذه الحالات
و المشاعر و اختصارها في كلمات، و بالتالي فاللغة لا تنجح على الدوام في مطابقة
فكرنا و حالاتنا النفسية في الجهة المقابلة، و بهذا يعود إلينا الشك مرة أخرى في
إمكان مطابقة هذه اللغة لأفكارنا و مدى ترجمتها ونسج لباس لها بمنطق ميرلوبونتي، و
هذا ما يجعلنا أمام التساؤل المستمر : هل فهلا تنجح اللغة في التعبير عن أفكارنا و
حالاتنا النفسية كما هي أم لا ؟ .
موقف هنري برغسون : اللغة لا تستطيع التعبير بعمق عن حالاتنا النفسية
في سياق
الإجابة عن تساؤل : لماذا تفشل اللغة في التعبير عن الفكر الحي كما هو ؟ . يأتي
الفيلسوف هنري برغسون ليؤكد على اللغة لا تستطيع أبدا التعبير عما يجول بداخلنا من
حالات نفسية، و هي بذلك قاصرة عن احتواء الفكر كليا، فأغلب الأفراد يعبرون عن
حالاتهم النفسية في نظره بنفس الكلمات تقريبا، مما يضفي على أفكارنا صفة التطابق و
التعميم، و هذا خطأ في نظره، فكل شخص يتفرد بحالاته النفسية شعوره، و قد قدم لنا في ذلك مثال اروائي الذي يحاول
ما أمكن التفرد في وصف الحالات النفسية لشخصياته و نقلها إلينا، لكنه لا ينجح في
ذلك ما دام يستعمل نفس الكلمات التي يعبر بها الجميع عن ما يجول بداخله، و بهذا
يخلص برغسون إلى أن اللغة لن تنجح أبدا في قياس الفكر و لا ترجمته كليا إلى كلمات تعبر
عنه كما هو .
موقف جون.ب.واطسون : لا وجود لفكر خارج تمرس العضلات و توليفها النطق
لقد
ذهب عالم النفس السلوكي جون بيير واطسون على سيره الخاص كمؤسس للمدرسة السلوكية في
علم النفس و التي اتخذت طابعا تجريبيا في دراستها للحالات النفسية، و في هذا الصدد
يرى واطسون أن اللغة ترتبط عضويا بالجهاز العضلي و العصبي المسؤول عن النطق، و أن هناك
مئات التوليفات و التركيبات المسؤولة عن ترجمة الفكر إلى كلام، و هذا يحدث عن طريق
التمرن و الممارسة المتكررة للإنسان، و قد حاول دعم موقفه هذا من خلال مثال الطفل
الذي يتعلم التعبير بالكلمات عن طريق سماع الكلمات و ترديدها بصوت مرتفع في الثالثة من عمره، لكن
سرعان ما يتم قمع سلوكه هذا من طرف الأبوين أو مربيته لأنه لا يوافق العادة،
فيتحول تعبيره المسموع إلى تعبير صامت بداخله و هكذا يفكر باللغة و يعبر بها عن
فكره في صمت من الضغط الذي يمارسه المجتمع عليه، الكلمات في البداية، و انطلاقا من هذا كله، فإن العالم
السلوكي الأمريكي يرى بأن اللغة تنجح فعلا في التعبير عن الفكر، لكن هذا لا يحدث
بمعزل عن تمرين العضلات و الأعضاء المسؤولة عن كل الكلمات المعبرة عن الفكر .
تركيب عام للمحور :
من
خلال كل ما سبق عرضه حول إشكال اللغة و الفكر، يمكننا الاهتداء في النهاية إلى أن
اللغة هي وسيلة التفكير لدى الإنسان،
كما أنها وسيلة للتعبير عن الفكر أيضا، و قد تنجح في أحيان من تجسيد الفكر و ترجمته
كما هو، لكنها قد لا تنجح في أحيان أخرى في احتوائه و تجسيده بالكامل كما هو، و
هذا من الطبيعي ما دامت اللغة ترتبط بالتنشئة الاجتماعية و الوسط الذي يعيش فيه
الفرد من جهة، كما ترتبط ببنيته البيولوجي وقدرته الخاصة على التعبير من جهة أخرى،
و بالإضافة إلى هذا كله، فاللغة تعد مصدر تأثير علينا دائما، و قد تتحول في بعض
الأحيان إلى أداة لممارسة السلطة علينا من طرفها و من طرف الآخرين، و قد تفقدنا
بذلك هويتنا و حريتنا أيضا، فإذا كانت اللغة أحد مكونات المجتمع الذي نوجد فيه، و
إذا كانت وسيلة التعبير و الترميز، فما علاقتها بالسلطة ؟ و هل يمكن عد اللغة
وسيلة لممارسة السلطة و العنف على الأفراد ؟ .
.png)
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .