نموذج تطبيقي لمنهجية تحليل السؤال الفلسفي
السؤال النموذج : هل أساس المجتمع هو الضرورة الطبيعية أم الاتفاق الإرادي الحر ؟
تحليل و مناقشة السؤال :
يعد الكائن الإنساني من بين أكثر الكائنات الحية ميلا و نزوعا إلى الاجتماع، إذ سعى منذ القدم إلى الدخول في علاقات منظمة مع بني جنسه داخل نسق منظم سمي بالمجتمع، غير أن منبع و أصل الاجتماع البشري و هذا المجتمع ضل غير معروف و غامض على الدوام، و في هذا السياق يأتي السؤال الفلسفي قيد التحليل و المناقشة من أجل البحث في كيان هذا المجتمع و منبعه الأصلي، و ما إذا كان نتاجا للميولات الغريزية و الطبيعية للإنسان، أم أنه تعبير عن إرادة حرة خالية من أي إكراه . و هذا كله يجعلنا أمام الكثير من التساؤلات، و لعل أبرزها ما يلي :
ما أساس الاجتماع البشري ؟ هل يقوم على الضرورة الطبيعية أم على
الاتفاق الناتج عن الإرادة الحرة للإنسان ؟ .
انطلاقا من
قراءتنا المتمعنة و على فهمنا للسؤال الماثل أمامنا، نستطيع الجزم أننا أمام إشكال
فلسفي يتمحور حول أساس و مصدر الاجتماع البشري و المجتمع، و في سياق تحليلنا و مناقشتنا لهذا
السؤال وجب قبل كل شيء الوقوف عند صيغة طرحه الذي جاء بها، و لعل ما يثيرنا أولا
هي أداة الاستفهام الفلسفية التي طرح بها "هل"، فلطالما تفيد هذه الأداة
فلسفيا البحث في وجود الشيء من عدمه، و في سياق السؤال فإننا أمام البحث عن وجود
أساس للمجتمع من عدمه، و هذه الأداة غالبا ما تضع ذهنيتنا أمام احتمالات لا حصر
لها من الإجابات، و أما هنا فهي تضعنا أمام احتمالين أو أكثر، إذ و من جهة يمكن
القول أن الضرورة الطبيعية قد شكلت الداعي الأساسي للاجتماع، أما من جهة أخرى فإن
الاجتماع الإنساني جاء نتيجة اتفاق إرادي حر خالي من أي إكراه، و بالإضافة إلى هذا
فإن الصيغة التي طرح بها هذا السؤال تمنحنا إمكانات أخرى للتفكير في أصل و منبع
آخر ما عدا هذا و ذاك، و لكون القول الفلسفي يستند
على مفاهيم في أساسه، فلن ننسى أبدا الإشارة إلى أن هذا السؤال أيضا يحمل في ثناياه
مفاهيم و ألفاظ ثقيلة تحتاج منا إلى تعريفها، و لعل أبرز هذه المفاهيم المجتمع الذي يعني ذلك التكتل و الإئتلاف المنظم و المتماسك الذي يضم مجموعة من
الأفراد التي تجمع بينهم علاقة قرابة و مصالح مشتركة، كما نجد أيضا مفهوم الضرورة الطبيعية الذي يحيل على ذلك الشيء الذي لا يكون بدون شيء آخر، و هو الشيء
الذي لا يمكن تصور عدمه، و في سياق السؤال نتحدث عن الإكراه البيولوجي الذي لا
يمكن تصور حياتنا بمعزل عنه كشرط أساسي من شروط استمراريتنا في العيش ( التغذية، التكاثر..)
، و في مقابل هذا نجد مفهوم الاتفاق الذي يشير إلى التعاقد بطريقة أخرى
كنظرية سياسية و اجتماعية ترى بأن المجتمع هو نتيجة انتقال من حالة الطبيعة إلى
الحالة المدنية بفعل التعاقد و الاتفاق بين الأفراد من أجل ضمان مصالحهم المشتركة،
و هذا نابع عن الإرادة الحرة باعتبارها القدرة على الاختيار الواعي بين اختيارات و
احتمالات لا حصر لها، و لن ننسى لفظ الأساس الذي يعني المبدأ المؤسس و العلة
الأولى لوجود موضوع أو شيء معين، و من هنا تنبني العلاقة الجدلية و التقابلية بين
هذه المفاهيم على حد سواء، كون أن أساس المجتمع يرتبط تارة بالإكراه و الضرورة
الطبيعية و تارة أخرى بالاتفاق والتعاقد الإرادي الحر . و بناء على هذا كله يمكننا الافتراض أن هذا السؤال يحمل
في جوهره ضمنيا أطروحتين أساسيتين، إحداهما تذهب مذهب الاتجاه الطبيعي الذي يؤكد
على أن مصدر الاجتماع البشري يكمن في الطبيعة الإنسانية التي تنزع به نحو الاجتماع
بالفطرة، و هذا ما أكد عليه ابن خلدون أيضا حينما رأى بأن الضرورة الطبيعية هي
الداعي الأساسي للاجتماع من أجل تحقيق حاجياتنا الغريزية من الغذاء ، بالإضافة إلى
حاجتنا إلى ضمان الحماية و الآمان، و هذا كله من أجل الاستمرار في العيش و في عمارة
الأرض، أما الأطروحة الثانية التي يحملها السؤال بين طياته، فهي تدفعنا إلى القول
بأن الاجتماع الإنساني ناتج عن إرادة بشرية حرة خالية من أي إكراه أو إجبار، و هذا
ما ذهب إليه فلاسفة التعاقد أمثال جون جاك روسو الذي يؤكد على أن المجتمع تعبير عن
إرادة الإنسان في التخلص من حالة الطبيعة التي تميزت بالصراع و الاقتتال كنتيجة
لظهور الملكية الخاصة و الرغبة في التملك، و الانتقال إلى حالة المدنية بفعل
التعاقد الاجتماعي الذي انتقل الإنسان بموجبه من حالة الطبيعة و حالة الفوضى و
الصراع إلى حالة المدنية و العقلانية و النظام، و هكذا يمكن
القول أن هاذين الأطروحتين يشكلان إحراجا و مجابهة لبعضهما البعض، فالقول بأن
الضرورة الطبيعية هي منبع المجتمع صحيح من جهة و ربما كان تعبير ارسطو "الإنسان
حيوان مدني بالطبع" أكثر دلالة عن ذلك، بالإضافة إلى أن الإنسان في حاجة ماسة
إلى أخيه الإنسان من أجل استمراره، ولعل حاجة الفرد إلى الاجتماع تبرز أكثر من
خلال اعتماده على الفلاح في غذائه، و النجار في و الحداد في امتلاكه لوسائل العيش
الضرورية، و العسكري و الشرطي في ضمان الآمان
و الحماية، و هكذا دواليك، لكن القول بأن مصدر المجتمع هو التعاقد لا يقل أهمية عن
ذلك، ففي مجتمعنا الحالي، نحن من نوافق على الاجتماع مع غيرنا تحت لواء قوانين و
قواعد مشتركة، و لعل الاستفتاء في الدستور و التصويت على ممثلين سياسيين لتدبير
شؤوننا هو أكثر تجلي لذلك، مما يجعل منا أحرار في اختيارنا، و على العموم يظل الاختلاف في الإجابة بمثابة غنى و ثراء
للبحث الفلسفي في أساس المجتمع باعتباره موضوعا مهما مرتبطا بوجودنا على الدوام، و
لا مهرب لنا من البحث و التنقيب عنه، و هذا ما دام إشكال إنساني يرتبط بنا في
النهاية .
بناء على كل ما سبق، يمكننا الاهتداء في دراستنا لإشكال أساس المجتمع أنه لا يوجد مصدر و مبدأ محدد للمجتمع بعد يمكن اتخاذه كإجابة نهائية لذلك، بل إن المواقف حول هذا الإشكال تتأرجح بين الضرورة البيولوجية من جهة و بين الإرادة و التعاقد الحر من جهة أخرى، كما أن هذا لا يستثني وجود منبع آخر و مصادر أخرى للمجتمع، و هذا ما يجعلني أهتدي بدوري إلى القول بأن أساس الاجتماع البشري هو الضرورة الطبيعية و التعاقد الإرادي في نفس الآن، فلطالما نحتاج إلى الغير في ضمان أساسيات ووسائل عيشنا، إذ أنني أحتاج إلى بني جنسي في توفير الغذاء نموذج الفلاح و بائع الخضر و الفواكه..، كما أنني في حاجة إلى العامل الذي يصنع لي أدوات ووسائل العيش، و لرجل الأمن الذي يسهر على حمايتي، لكنني أيضا حر في سلوك مسلكي الخاص في الحياة، و لا أحد يفرض علي الاجتماع مع الآخرين، بل أنا أوافق عليه ما دام لي الحق في الإدلاء بدلوي أثناء الاستفتاءات الدستورية و لدي الحق في المشاركة في الشأن السياسي، و قد أعيش بمعزل عن الآخرين إن أردت بالمقابل، وعلى العموم، فإن البحث في هذا الإشكال يعد ذا شأن هام لنا جميعا، ما دام الامر يتعلق بالوجود الاجتماعي الإنساني في آخر المطاف، و هذا قد يمكنني من إدراك كنه و مصدر المجتمع الذي وجدت داخله من البداية، كما أن هذا كله يقودنا إلى البحث عن علاقة الفرد بالمجتمع الإنساني، فإذا كان المجتمع مزيج و تكتل للأفراد، فما هي طبيعة العلاقة الحاصلة بين الفرد و المجتمع ؟ و هل يمكن أن يوجد مجتمع بدون أفراد أم لا ؟ .
مفتاح قراءة هذ الإنشاء
مطلب الفهم
في البداية يوجد عنصر الفهم باللون الأسود و الذي يضم التأطير العام للإشكال و أيضا عناصر الإشكال و التساؤلات الأساسية .
مطلبي التحليل و المناقشة
اللون الأحمر : إعادة صياغة الإشكال و التعريف به بطريقة مختصرة
اللون الأزرق الفاتح : إبراز دور أداة الإستفهام و عناصر
السؤال الأساسية .
اللون الأخضر : المفاهيم الأساسية و بعض الألفاظ
بالسؤال و تعريفها و العلاقة بينها .
اللون الأزرق الغامق : الأطروحات المتضمنة بالسؤال مع توضيحها
بناءا على أطروحات الفلاسفة .
اللون البرتقالي : المقارنة بين
الاطروحات و الدفاع عنها ببعض الحجج مثال الاستشهاد و بعض الأمثلة من الواقع .
اللون الوردي الفاتح : أهمية التفكير في الإشكال الفلسفي .
مطلب التركيب
اللون الأزرق الفاتح : خلاصة لنتائج التحليل و المناقشة
.
اللون الأسود : الرأي الشخصي مع بعض
الحجج المنطقية للدفاع عنه .
اللون الأحمر الغامق : أهمية الإشكال و توسيع أفق البحث في الإشكال .
ملاحظة :
أنا حاولت قدر الإمكان التطرق إلى معظم العناصر المذكورة بالمنهجية نظريا، و قد تركت الرأي الشخصي للخاتمة لكي أطيل بالعرض، و لكم الحرية في تغيير بعض المراحل، و ذلك مثل المفاهيم و الأطروحة أو الأطروحات المفترضة.. و كذلك الرأي الشخصي يمكنكم تركه للخاتمة أو التعبير عنه بعد إبراز أهمية التفكير في الإشكال خلال المناقشة، و أتمنى أن تستفيدوا من هذا الإنشاء قدر الإمكان و بالتوفيق لكم جميعا .
.png)
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .