آخر الأخبار

محور الإدراك الحسي و الشعور - مطلب المناقشة : مناقشة موقف شونجو على ضوء أطروحة برتراند راسل

 

الإدراك الحسي و الشعور

مطلب المناقشة : مناقشة موقف شونجو على ضوء أطروحة برتراند راسل

 

القيمة الفلسفية لأطروحة شونجو و حدودها :  

إن ما قدمه صاحب النص حول موضوع الوعي وعلاقته بالجهاز العصبي المركزي للدماغ البشري، له قيمته العلمية، بحيث لا يمكن إنكار ما للدماغ من أهمية في توفير الأرضية اللازمة لتشكيل الوعي، فهو المسؤول الأول عن كل ما يصدره الإنسان من سلوكيات وأفعال، سواء في مستواها الحسي أو العقلي، فكل الأنشطة اليومية تعتمد على كثير من القدرات الدماغية والأنظمة المخية، وقد تمكن البحث العلمي في هذا الجانب ودراسة مرض الأعصاب من توضيح كيف تتكامل لدينا الخبرات، وكيف نضع الخطط و ننظم عملنا، وكيف نتواصل من خلال الكلام، وتمنحنا أجهزة التحكم في الانفعالات مزيدا من الخبرة الذاتية، بينما قد تتسبب أمراض المخ والجهاز العصبي في قطع الروابط بين العمليات العقلية، أو قد يؤدي إلى حدوث أمراض نفسية معينة .

لكن بالرغم من كل هذه الإيجابيات التي قدمها شونجو فإنه قد حاول دراسة شروط الإدراك و الوعي من وجهة نظر مادية محضة، متناسيا الدور العقلي و قدراته على فهم و تفسير و تأويل المعطيات التي يمدنا بها الجهاز العصبي، و بهذا يكون شونجو قد أغفل دور العلوم الإنسانية أيضا في تقدم البحث من أجل معرفة الوعي أكثر و شروط تشكله، و بهذا فإن الإشكال الذي يظل يطرح نفسه هنا هو : هل يمكن الاطمئنان لهذا الطرح أم أن هناك مواقف فلسفية أخرى قاربت مفهوم الوعي من زاوية تخصصها ؟

أطروحة برتراند راسل : الوعي ردود أفعال و استبطان بالأساس 

التعريف بصاحب النص :

هو فيلسوف ومنطقي و ريضي إنجليزي، من أعماله الأساسية : - مبادئ الرياضيات ، - مشكلات فلسفية  ، - حكمة الغرب .

موقفه و تصوره للوعي :

 بالرغم من أهمية أطروحة الفيلسوف و العالم ج.ب.شونجو العلمية لمفهوم الوعي، فإن العديد من الفلاسفة وجدوها ناقصة وفي حاجة إلى إغناء أكثر، ومن بين هؤلاء الفلاسفة نجد الفيلسوف والمنطقي الإنجليزي برتراند راسل، الذي جعل أطروحته الفلسفية تؤكد على أهمية الوسط أو المحيط الذي يعيش بداخله الإنسان في تشكيل وعيه . وقد استدل على ذلك بمجموعة من الحجاج استهلها بعرض ما هو متداول لدى عامة الناس حول الوعي، وذلك حينما قال: نقول ( أننا واعون في مقابل الأشياء الجامدة كالعصي والحجارة التي لا تمتلك صفة الوعي )، عادة ما نجد التصور العامي للوعي يقف عند المظاهر السطحية للأشياء، فالوعي لدى هذا التصور هو اليقظة في مقابل النوم، وإن كانت هذه الخاصية مهمة لدى راسل أيضا، غير أن تحديد الوعي يستدعي - في نظر راسل-  الفهم الأعمق لهذا المفهوم، والانتباه إلى اللغة التي تعبر عنه وإدخال تغيير عليها . لذا ينبهنا راسل بشكل غير مباشر إلى اتخاذ الحيطة والحذر مما نتلفظ من كلمات وجمل للتعبير عن مسائل الحياة. بهذا التصور لدور اللغة في تحديد معاني الألفاظ، باعتبار اللغة هي ما يمكن الوعي من التعبير عن نفسه، بعد ذلك يتقدم برتراند راسل لتحديد معنى قول  ( إننا واعون ) فهو يعني شيئين، أولهما و من جهة يعني ردود أفعال الإنسان اتجاه الوسط الذي يعيش فيه، وهو ما يسميه بالإدراك الخارجي لمثيرات الواقع، ومن جهة ثانية يعني الوعي الإدراك الداخلي لما يعتمل بداخلنا من أفكار ومشاعر وأحاسيس والذي يسميه راسل بالاستبطان l’introspectoin ، ولتوضيح المعنى الأول للوعي قدم مثالا لصوت شخص يقول ( آه ) ، يقارن فيه بين سلوك الإنسان والحجر، فهذا الصوت مثير للإنسان، وإدارة رأسه إلى مصدر الصوت هو استجابة، ليعرف ما إذا كان الأمر يتعلق به أم بشخص آخر وهي استجابة لا نلمسها في الأشياء الجامدة كالحجارة والعصي؛ لأنها عاجزة عن القيام بذلك، قد تستجيب لمثيرات أخرى، كتحركها عند الاصطدام بجسم مادي أقوى منها ،وهي حركة خاضعة لقوانين طبيعية وليست إنسانية، وبالتالي يكون رد فعلها على المثير الخارجي خال من كل وعي؛ أي أنها لا تدرك أنها خاضعة لتأثير قوى خارجة عنها، بينما الإنسان يعي من يكون ذلك الصوت، ولهذا نراه بشكل إيجابي له، إذا كان يعنيه ذلك الصوت، وبشكل سلبي إذا كان العكس، وهنا يكمن وعي الإنسان بالأشياء المحيطة به . و أما المعنى الثاني للوعي، فهو الاستبطان، الذي يعني إدراك الذات لما تحس وتشعر به من أفكار ومشاعرو دوافع أيضا، والتعبير عن ذلك بطريقتها الخاصة، وهو ما ليس بمقدور الحجارة والعصي القيام به .

إن الوعي حسب راسل يرتبط أول الأمر باليقظة كونه لا يستمر في الزمن، و كذلك اللغة باعتبارها المعبر الرئيسي عنه، و الأكثر من ذلك أن الوعي عنده عبارة في جوهره عن ردود أفعال اتجاه المثيرات من جهة ، و عملية غوص و اتسبطان في الذات من جهة ثانية و هو أساس تميز الوعي الإنساني لدى راسل، ليخلص برتراند راسل بعد هذا التحليل لدلالة الوعي إلى القول أن كل ما قدمه من أفكار حول الوعي، لا يعني الإحاطة الشاملة بدلالة مفهوم الوعي، بل يبقى بحاجة إلى كثير من الدراسة والتوضيح للإحاطة به أكثر فأكثر .

تركيب عام للمحور :

نستنتج مما سبق، أن مفهوم الوعي يعد من بين أبرز المفاهيم الفلسفية أهمية، و لكنه أيضا من أكثرهم غموضا و إبهاما، وهذ لكونه يشكل بعدا أساسيا من أبعاد وبنية الكائن الإنساني الفريد و المتميز و المتنوع، فالإنسان يعد مركز فعل التفلسف، مما يجعل إشكال فهم ذاته  من أهم الإشكالات لديه (أي الإنسان) ، و كما لاحظنا من خلال عملية تحليل و مناقشة إشكالية إمكانية معرفة و تحديد الوعي بدقة، أنه يصعب علينا كثيرا النظر إليه من زاوية فلسفية أوعلمية و فقط، بل يجب توحيد هذه النظرة في نظرة واحدة على الإنسان، فمن الصحيح إن الإنسان وحدة منقسمة، لكنها لا تقبل التجزيئ من أجل فهمها،و بالإضافة إلى هذا، فإن البعدين الفلسفي و العلمي لوحديهما لا يكفيان لذلك، و لهذا وجب إقحام الجانب السيكولوجي و الاجتماعي الثقافي أيضا لفهم هذا الكائن أكثر، و لفهم طبيعة وعيه بدقة، و فهم الجانب الخفي و المظلم لهذا الوعي، و هذا ما يحيلنا على التساؤل : ما دور الحياة النفسية و الاجتماعية في تشكل عنصر الوعي ؟ و هل الوعي هو البعد الوحيد الذي يميز الإنسان؟ أم أن هناك بعدا لاواعيا في حياة الإنسان النفسية ؟

تعليقات