آخر الأخبار

مفهوم المجتمع - محور أساس المجتمع - تحليل نص المجتمع تعاقد لجون جاك روسو - تحليل نص ابن خلدون

 

مفهوم المجتمع

تأطير إشكالي :

من الصحيح القول أن الإنسان كائن عاقل، كما أن لديه حاجيات و رغبات أيضا، لكن و بالإضافة إلى هذا كله، فإنه يعد أيضا كائنا اجتماعيا بامتياز، إذ سعى منذ فجر تاريخه إلى إنشاء وربط علاقات مع بني جنسه، و لعل المجتمع بما هو كيان يجمع الأفراد و يوحدهم تحت قواعد و ثقافة مشتركة أكبر تجلي لذلك، و بما أن لكل شيء بداية، فأكيد أن المجتمع ليس وليد للفراغ، بل لعلل و أسباب تظل في الغالب مجهولة بجهلنا للتاريخ الإنساني العريق، لكن هذا لا يثنينا عن البحث في ذلك، أي البحث في أصل الاجتماع البشري، و بما أن المجتمع هو ائتلاف للأفراد الذين يخضعون لقواعد منظمة لعلاقتهم، فإن هذا يقودنا للبحث في علاقة الفرد بالمجتمع أيضا، كما يقودنا للحديث عن شكل السلطة التي يمارسها المجتمع على كل فرد من أجل استمراريته، و انطلاقا من هذا كله نتساءل :

ما ماهية المجتمع؟ و ما أساس و هدف تواجده ؟ و ما علاقة الفرد بالمجتمع ؟ و إذا كان للمجتمع سلطة على الأفراد، فما اشكال هذه السلطة التي يمارسها عليهم ؟ .  

المحور الأول : أساس المجتمع

تمهيد :

لا شيء يوجد من عدم، لكل نتيجة سبب و لكل علة نتيجة، هكذا يسري الأمر على العالم الطبيعي و الإنساني، كما هو الحال أيضا بالنسبة للمجتمع، إذ و من الأكيد انه ليس نتاج فراغ، بل لعدة أسباب متعلقة بالإنسان، و هي تتأرجح عموما بين دوافع إجبارية بيولوجية، و دوافع حرة نابعة من رغبته الذاتية، و هو الأمر الذي يجعلنا أمام عدة إشكالات لعل أبرزها ما يلي :
ما أساس الاجتماع البشري ؟ هل هو نابع عن إرادة و حرية أم عن إكراهات طبيعية ؟ .

التحليل و المناقشة

أولا : التحليل : تحليل نص المجتمع تعاقد لجون جاك روسو

تأطير النص :

يأتي هذا النص الذي بين أيدينا لفيلسوف العقد الاجتماعي جون جاك روسو من أجل دراسة إشكال أساس و مصدر المجتمع و الإجابة عليه، و قد حاول الإجابة عن هذا الاشكال بناء على منطلقه الخاص باعتباره منظرا لنظرية العقد الاجتماعي .

إشكالية النص :

ما هو أساس المجتمع البشري؟ و على ماذا يقوم في جوهره؟ هل هو فطري و ضروري أم تعاقدي إرادي؟ .

مفاهيم النص :

حالة الطبيعة : هي حالة مفترضة كان يعيش الإنسان بمقتضاها في غیاب القوانین والمؤسسات والروابط الإجتماعیة بین الأفراد.

حالة المدنية : هي الحالة التي أصبح الإنسان یعیش فیها مع بقیة الأفراد وفقا لقوانین ومبادئ و قواعد منظمة تتجسد بناءا على اتفاق و تعاقد فيما بينهم.

العقد الاجتماعي : هي نظریة في علم السياسة من إبداع جون جاك روسو، و قد طورها فلاسفة آخرون مثل جون لوك و توماس هوبز، و هذه النظرية تقول بأن النظام الاجتماعي یقوم على اتفاق إرادي  و تعاقد بین مختلف الأفراد المكونین للمجتمع، وذلك بناء على قوانین و قواعد ومبادئ عامة تنظم علاقتهم فيما بينهم مع مراعاة مصالحهم المشتركة، و التي بموجبها انتقل الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة المدنية .

الحرية الطبيعية : هي الحق الذي يملكه الفرد في أن يفعل كل ما يراه نافعا لنفسه و يضمن بقائه و استمراريته في العيش .

الحرية المدنية : هي التصرف وفقا لمبادئ و قوانين العقد الاجتماعي الذي يعبر عن الحرية و المصلحة العامة لجل الأفراد داخل المجتمع .

أطروحة النص :

في كتابه المسمى بالعقد الإجتماعي يتفق روسو مع جون لوك، إذ يقر بأن حالة الطبيعة كانت حالة سعادة تسودها الحرية و العدالة، فالإنسان حسبه خير بطبعه، لكن و نتيجة لظهور الملكية الفردية التي أدت إلى التفاوت في الثروات بين الأفراد نتج عنه حالة الصراع و الاقتتال حول هذه الثروات، و للخروج من هذه الحالة تم تأسيس عقد إجتماعي بموجبه انتقلوا من حالة الطبيعة إلى حالة المدنية و المجتمع، و في ذلك تنازلوا عن حقوقهم الطبيعة و عن حرياتهم الطبيعية ليكسبوا الحقوق المدنية كالحرية المدنية و الملكية الخاصة، و هذا التنازل يكون للأغبية و السيادة تكون للشعب عن طريق الإرادة العامة للأفراد .

حجاج النص :

من أجل إقناعنا بأطروحته، فقد وظف جون جاك روسو بناء حجاجيا يتجلي في المقارنة من أجل تمييز وضع الإنسان في حالة الطبيعة في مقابل وضعه داخل حالة المدنية و الاجتماع، و نجد هذا في ما يلي :

حالة الطبيعة : الوهم الفطري (الغريزي) ، غياب الأدب و الأخلاق ، المحرك الجسماني (الشهوة)، الفردانية ، الميول الغريزي،البلادة و محدودية الفهم ، شراسة الطبع و خشونة العواطف ،الحرية الطبيعية (الحق الطبيعي) .

حالة المدنية : العدل (القوانين) ، امتلاك الآداب و الأخلاق ، صوت الواجب ، الحق ، مصلحة الجماعة ، المبادئ العقلية ، الذكاء و نمو القدرات العقلية و اتساع الأفق الفكري ، سمو النفس و نبل العواطف ، الحرية المدنية (الحرية المؤطرة بقوانين ) .

ثانيا : مطلب المناقشة : تحليل نص عبد الرحمان ابن خلدون ص 47

قيمة الأطروحة و حدودها :

انطلاقا من تحليلنا لما سبق، يمكن القول عموما أن نظرية جون جاك روسو شكل بنظريته "العقد الإجتماعي" مساهمة هامة في الإجابة عن إشكال أساس المجتمع، و ذلك باعتبارها نتيجة رغبة إرادية حرة لدى الإنسان في الإنتقال من حالة الطبيعة كالة فوضى و صراع و أنانية و خضوع للشهوة و الغريزة، إلى  حالة المدنية كحالة سلام و سعادة و أمن تميزت بغياب الفوضى و الصراع و الشر، مما يجعل الإنسان حرا في اختياره هذا و مقتنعا به، كما جعله ذلك يتطور و يكتسب معارف جديدة متنوعة، و جعله يهذب نفسه و غرائزه، و بالتالي عدم تردده في الحفاظ على هذا التعاقد أو خيانته . لكن ومع ذلك يسجل روسو مجموعة من المزايا التي اكتسبها الإنسان في حالة المدنية على حساب افتقاده و تنازله عن مزايا أخرى بالمقابل، و لعل أكثر المزايا التي افتقدها هي حريته المطلقة، و بالتالي و بالتالي فالإنسان هنا لم يفعل شيئا عدا أنه قبل بتنازله عن مكتسبات في سبيل تحقيق مكتساب أخرى، و بالإضافة إلى هذا كله، فإن أطروحة روسو تحمل في جوهرها تناقضا ثانويا يعبر عن نفسه، إذ أن دوافع الاجتماع لدى الإنسان هي حالة الصراع و الألم و الاضطراب الذي عانى منه الإنسان جراء ذلك، مما جعله مرغما من جهة على الاجتماع، و بهذا قد تكون الضرورة هي من دعت الإنسان في واقع الأمر إلى التعاقد و الاجتماع، أي ضرورة التخلص من حالة الطبيعة التي هددت كل إنسان، و ليست الإرادة الحرة، و هذا ما يحيلنا على التساؤل مجددا : ألا يعد الاجتماع البشري نتاج ضرورات ملحة فرضت نفسها على الإنسان؟ و إذا كان الأمر كذلك ، فما دور الضرورة الطبيعية الفطرية للإنسان في نشأة المجتمع ؟ .

أطروحة عبد الرحمان ابن خلدون :

يذهب الفيلسوف العربي و الإسلامي ابن خلدون إلى التأكيد على أن المنبع الأصلي لكل عمران بشري(اجتماع بشري) هو الضرورة الطبيعية المُلِّحة،  و قد استشهد في ذلك بأقوال الحكماء أفلاطون و ارسطو في ذلك، و الذين قالوا أن الإنسان حيوان مدني(أي اجتماعي) بالطبع(أي بالفطرة و الغريزة) ، كما أوضح لنا ذلك أيضا من خلال مثال الغذاء (الحنطة نموذجا) الذي يحتاج من الإنسان لأواني و مواعين و أدوات لا يستطيع في نظره توفيرها لوحده، بل من الضروري للنجار و الحداد في ذلك، أي أن الإنسان لا يستطيع أبدا ضمان شروط عيشه الطبيعية من أكل و شرب و ما إلى ذلك إلا بالاستعانة في ذلك ببني جنسه و أخيه الإنسان، و يضيف أيضا من خلال مقارنته بين الإنسان و الحيوان في القدرات التي وهبها الله إليهم من أجل الدفاع عن أنفسهم، أن الحيوان مؤهل طبيعيا من عند الله بأسلحة و أدوات حيوية (مثل المخالب، الأنياب..) للدفاع عن نفسه من خطر باقي الحيوانات التي تنزع بفطرتها نحو العدوان، لكن الإنسان لا يمتلك إلا يدا و فكرا، و عبرهما و بمساعدة الآخرين فقط هو قادر على توفير أسلحة ووسائل للدفاع عن نفسه و حمايتها من خطر الحيوانات التي تفوقه في القوة و القدرات، و بناء على هذا كله يخلص ابن خلدون إلى أن (العمران) الاجتماع الإنساني ضروري لوجود الإنسان و لعمارته الأرض و استمرار خلافته فيها . 

تعليقات