مفهوم الرغبة
تأطير إشكالي عام :
من الصحيح أن الإنسان هو ذلك الكائن العاقل و المتميز بوعيه أيضا، لكن هذا ليس بالبعد الإنساني الوحيد له، بل إنه يعد أيضا كائنا حيا راغبا، و إن كان الإنسان يشترك مع الحيوان فيما هو بيولوجي غريزي، فإنه قد تميز عنه بامتلاكه للرغبة كبعد من أبعاد الهوية الإنسانية، و لعل وعيه السابق على كل شيء قد كان سببا مهما في رقيه بحاجياته و متطلبات عيشه إلى موضوع رغباته، و هذا بالإضافة إلى إرادته التي تشكل دافعا مهما لاستمرار نوعه و طموحه نحو التميز بذاته عن بقية الكائنات، كما أن سعيه المتواصل أن سعيه هذا هو سعي نحو سعادته عموما، مما يجعله أكثر إبداعا في خلق مواضيع رغباته على الدوام، فكون الإنسان واعيا بحاجياته و طرق تحقيقها، و كونه يريد لأنه يرغب، و كونه يرغب لأنه يصبو إلى بلوغ السعادة، يجعلنا أمام شبكة مفاهيمية مرتبطة جدلا ببعضها البعض، فالحاجة، الرغبة، الإرادة، و السعادة، كلها مفاهيم لا يمكن إهمال مدى اتصالها مع بعضها البعض، و لا يمكن فهمها بمعزل عن ذلك، و لكن الجزء الأهم و المحوري هنا هو مفهوم الرغبة الذي يعد نقطة الربط بين جل هذه المفاهيم، مما يجعلنا أمام إشكال واسع بامتياز يطرح تساؤلات عدة، و لعل أبرزها كالتالي :
إذا كانت الرغبة فلسفيا تحيل على الميل أو النزوع نحو موضوع ما - فما علاقتها بالحاجة كحالة بيولوجية تحيل على نوع من الافتقار و النقص ؟ و إذا كان الإنسان كائنا واعيا بذاته و نزوعها، فما علاقة الرغبة بالإرادة كقدرة على التصرف و الاختيار بوعي ؟ و باعتبار الرغبة ميل يهدف إلى تحقيق رضا للذات عموما، فما علاقة الرغبة بالسعادة كحالة رضا تام للذات، و باعتبارها غاية الغايات ؟
من أجل الإجابة على مجمل هذه التساؤلات الموجهة نحو مفهوم و الرغبة وإشكالاته الأساسية المتعلقة بالحاجة و الإرادة و السعادة، سوف نعالج هذه الإشكالات عبر ثلاث محاور و قضايا مركزية هي : المحور الأول و الذي سنخصصه لإشكال علاقة الرغبة بالحاجة، بالإضافة إلى وقوفنا عند محور الرغبة و الإرادة على إشكال العلاقة بينهما أيضا، أما المحور الثالث فسيخص قضية علاقة الرغبة بالسعادة .
المحور الأول : الرغبة و الحاجة
تأطير إشكالي :
يعد الإنسان أحد الكائنات الحية و المتميزة عن غيرها، ولعل تميزه قد ساهم في ارتقائه بحاجياته أكثر فأكثر، و بطرق ووسائل تحقيقها، و من هنا تبرز الرغبة كمعبر عن سعيه المختلف للبقاء و التميز في الآن نفسه، ولكن تحديد العلاقة بين حاجة الإنسان و رغبته ليس بالأمر اليسير، فغالبا ما تتميز هذه العلاقة بنوع من الغموض، إذ أن رغبات الإنسان ترتبط حينا بحاجياته و بيولوجيته، و حينا أخرى بجوانب أخرى من تنشئة اجتماعية ونفسية، و هذا ما يجعلنا أمام مفارقة فلسفية مفادها أن الرغبة امتداد للحاجة من جهة، في مقابل كون الرغبة تميزه بذاتها عن كل حاجة، و بالتالي قطيعتها مع الحاجة من جهة أخرى، كما إن الرغبة قد ترتبط أيضا بالمكونات النفسية و الاجتماعية للإنسان أيضا في شق آخر، و من هنا نتساءل : ما الرغبة ؟ و ما الحاجة ؟ و ما علاقتهما ببعضهما البعض؟ هل تعد الرغبة امتدادا لحاجة الإنسان الضرورية أم أنها إبداع منفرد بذاته و متميز عن غريزته ؟ و هل تعد الغريزة هي المحدد و المصدر الوحيد للرغبة أم أن الجانب النفسي و الاجتماعي يساهم أيضا في تشكل و تحديد ماهية رغباتنا ؟ .
.png)
في حال أردت تشجيعنا أو التساؤل عن أي شيء، اترك تعليق لنا و شكرا .