آخر الأخبار

مفهوم الوعي و اللاوعي - محور الإدراك الحسي و الشعور - تحليل نص الوعي نشاط عصبي لجون بيير شونجو

 

مفهوم الوعي و اللاوعي

تأطير إشكالي :

من الأكيد أن كل إنسان يفكر ، فهو يفكر  في ذاته ، ينتبه لما يحدث من حوله، يستيقظ ويعرف أنه هو  نفس الشخص الذي نام البارحة، كما يدرك حياته النفسية و الاجتماعية، ويدرك وجود الآخرين و الاشياء من حوله، كما يشعر أنه واع بكل هذا، هذا الوعي الذي يجعل الإنسان متحدا مع نفسه غير منفصل عن وجوده، وعن طريقه يدرك الانسان هويته، الشيء الذي يجعله قادرا على النطق ب  أنا، و ربما هذا الوعي لا يحدث بعيدا أبدا بمعزل عن الإدراكات الحسية للإنسان و شعوره، لكن الإنسان لا يكون دائما منتهبا ومدركا لنفسه وذاته والعالم المحيط به، بل تنتابه أحيانا حالات من الحمق و اللاوعي، يصبح فيها الوعي الإنساني خاضعا بدوره لنزعات أو ميول معينة أخرى، مما يعني أن الوعي ليس العنصر الوحيد المتحكم بالإنسان دائما، وبالتالي ليست كل سلوكياتنا وأفكارنا واعية،  و إذا كان الإنسان يلجأ إلى وعيه من أجل التفكير وإنتاج الحقائق و الأفكار عن الواقع،و عن طريقه يفكر و يكون فكرا فإن هذا الوعي لا يكون أحيانا إلا منبعا وأصلا  للأوهام، حيث تختلط عليه الحقائق.. و من هنا ارتبط مفهوم الوعي بمفاهيم أخرى كالإدراك الحسي، اللاوعي ، الخيال و الوهم ، و الأيديولوجيا التي تنشأ كنتيجة لتفاعل كل هؤلاء معا . و هذا ما يجعلنا نتساءل :


- ما الوعي ؟ و ما علاقته  بالإدراك الحسي ؟ وما الإدراك الحسي في تشكله؟ و هل الحواس وحدها كافية لتكوين الوعي لدى الإنسان؟ و إذا كان السلوك الإنساني ليس واعيا على الدوام - ما علاقته باللاوعي ؟ و ما المتحكم في وجود الذات - هل هو الوعي أم اللاوعي ؟ و هل الوعي قادر على إعطاء صورة حقيقية عن حياتنا الواقعية وعن ذواتنا؟ ألا تتدخل الأيديولوجيا والوهم في تشويه الواقع وقلب الحقائق ؟

- من أجل معالجة كل هذه التساؤلات المتعلقة بالزوج المفهومي الوعي و اللاوعي و باقي المفاهيم المرتبطة بهما، سنعمل على ذلك عبر ثلاث محاور أساسية هي :

  •  أولها محور الإدراك الحسي و الشعورالذي سنبحث فيه عن ماهية الوعي و علاقته بكل من الإدراك الحسي و الشعور .
  • و ثانيها محور الوعي و اللاوعي، و الذي سنحاول فيه دراسة الوعي الأإنساني في علاقته بالجزء المظلم و الغامض للإنسان و المسمى باللاوعي، و أيهما الجانب المتحكم بالإنسان .
  • و ثالث هذه المحاور هو الايديولوجيا و الوهم، و الذي سنهتم فيها بدراسة الأفكار التي تنتج عن الوعي و اللاوعي أو ما نطلق عليه بالأيديولوجيا و علاقتها بالوهم و الخيال، و ما إذا كان الوعي و اللاوعي يمداننا بحقائق أم أوهام .

محور الإدراك الحسي و الشعور

تمهيد :

إن كل وعي يحصل لنا سواء بذواتنا أو بالعالم الخارجي، هو  بالأكيد يظل  على الدوام مرتبطا بما تقدمه لها حواسنا و عملياتنا العصبية و الدماغية، و هذا ما يجعل من الإدراك الحسي وسيطا لا يستهان به في عملية الوعي، و هذا بالإضافة إلى الشعور أيضا، فما الإدراك الحسي ؟ و ما الشعور ؟ و ما علاقة كل من الأدراك الحسي و الشعور  بالوعي؟ و ما دورهم في تشكله ؟ و ما علاقة الوعي بالنشاط العقلي العصبي؟  و هل الحواس وحدها كفيلة لوعينا بذواتنا و العالم الخارجي أم لا ؟

 

مطلب التحليل و المناقشة

  مطلب التحليل : تحليل نص الوعي نشاط عصبي فيزيولوجي لجون.ب.شونجو J.P.changeux

تأطير النص :

 يأتي هذا النص للعالم البيولوجي الفرنسي ج..شونجو الذي يهتم بدراسة الخلايا العصبية للدماغ في سياق محاولة النظر إلى مفهوم الوعي من منظور علمي محض باعتباره مشروطا بعمليات عصبية و حسية ضرورية، فما هي رؤية شونجو إلى الوعي ؟ و على ماذا يتأسس حسبه؟ و ما علاقته بالجهاز العصبي و باقي العمليات العصبية ؟ .

البنية المفاهيمية  للنص :

مفهوم الوعي : حسب صاحب النص هو نشاط عقلي عصبي يرتبط أساسا بالجهاز و العصبي و مكوناته التي لا يمكن أن يحدث أي وعي بدون تواجدها .

النشاط العقلي : هو نشاط عصبي مشروط فيزيولوجيا؛ أي أنه يعتمد على وظائف الجهاز العصبي من أعصاب و خلايا و نواقل حسية .

الجهاز العصبي : هو شبكة و منظومة اتصالات و تحكم داخلية في جسم الإنسان، وتتكون من مجموعة من الأعصاب و الخلايا و النواقل الحسية التي تساعد الإنسان على التأقلم مع العالم الخارجي و إصدار ردود أفعال اتجاهه سواء إراديا أم لاإراديا .

مفهوم الفيزيولوجيا : يعود أصل هذا المفهوم إلى اللغة الإغريقية ويتكون من شقين : فيزيس ويقصد به الطبيعة أو الأصل والجزء الآخر- لوجيا وتعني علم . بهذا المعنى فهو علم وظائف الأعضاء، والهدف منه هو دراسة أعضاء جسم الكائن الحي والأجهزة التي تكونها .

مفهوم الخلايا العصبية : هي مجموع الخلايا العصبية التي تكون دماغ الإنسان، وكل خلية عصبية تتشابك مع عصبونات أخرى كالألياف العصبية التي تكون بدورها الأعصاب .

مفهوم التمثل : هو عبارة عن صور عقلية ذات طابع مادي، لأنها مرتبطة بالخلايا و السيالات العصبية التي وتفرزها .

البنية الفكرية للنص :

من خلال قراءتنا و تأملنا لمضامين النص قيد التحليل يتضح لنا أنه يستند على مجموعة من الأفكار من أبزها :

-             انتقاد صاحب النص لمواقف الفلاسفة وعلماء اللاهوت القائلين بأن دراسة الوعي هو مجال من مجالات تخصصهم الفكرية. حيث نسجل أن شونجو يرى أن هذا الموضوع لم يخضع بعد للتحليل العلمي الدقيق  .

-             إقرار صاحب النص أن التدخل غير العلمي في هذا المجال سيشكل لامحالة عائقا أمام البحث العلمي الدقيق في الوظائف العليا للدماغ .

-             مطالبة صاحب النص بضرورة إبعاد كل خطاب أدبي عن مجال الوعي، لأن دراسة الوظائف العليا للدماغ وعلى رأسها الوعي هي من اختصاص علم بيولوجيا الأعصاب .

-             بعد أن انتقد شونجو التصورات الأدبية واللاهوتية التي ادعت قدرتها على معالجة مفهوم الوعي، راح يعلن بأن الوعي ما هو إلا نشاط عصبي تنهض به الخلايا العصبية، حيث تحول المنبهات الخارجية التي تستقبلها الحواس، مدعما موقفه بتصور العالم البيولوجي الفرنسي جاك مونو القائل بأن الصور العقلية بما فيها الوعي، هي موضوعات مادية محددة بفضل "خريطة" دينامية للخلايا العصبية.

إشكالية النص :

-       إن هذا النص الذي بين أيدينا يطرح تصورا معينا لمفهوم الوعي، كما يجيب عن إشكال فلسفي رئيسي يمكن الإفصاح عنه كالآتي : كيف تتم عملية تشكل الوعي؟ هل من خلال إدراكاتنا الحسية أو الأنشطة العصبية التي تجري داخل الدماغ البشري؟ أم من خلال عوامل خارج المنظومة البيولوجية للجسد، أي العوامل الطبيعية منها والثقافية  و الفكرية ؟

أطروحة النص :

بعد أن قمنا بالتوقف عند أبرز الأفكار الفلسفية المؤسسة للنص، تبين أنه يدافع عن أطروحة فلسفية مفادها: أنه باعتباره عالما بيولوجيا، فهو يرفض أن يكون الوعي موضوعا للدراسات الأدبية واللاهوتية، ويدعو إلى ضرورة إخضاعه للتجارب العلمية الدقيقة، حيث يرى أن كل نشاط عقلي هو عبارة عن نشاط عصبي، مما يعني أنه يقدم لنا تفسيرا ماديا فيزيولوجيا لمسألة الوعي والذي يلعب فيه الإدراك الحسي دورا كبيرا في إنتاجه .

البنية الحجاجية للنص :

ككل نص فلسفي يشكل الحجاج لحظة أساسية من لحظات بناء خطابه، وهذا النص لا يخرج عن هذه القاعدة، بل يجسدها بشكل واضح، حيث أراد أن يقنعنا بأطروحته معتمدا في ذلك على مجموعة من الآليات والأساليب الحجاجية التي يمكن حصرها كالآتي :

-             أسلوب الدحض : حيث نسجل أنه قام بنقد ودحض كل التصورات الفلسفية والأدبية واللاهوتية التي ادعت قدرتها على الانخراط في تحليل مفهوم الوعي، ليصرح بضرورة دراسة هذا الأخير دراسة علمية دقيقة.

-             أسلوب التعريف : يتضح ذلك من خلال تحديده للنشاط العقلي باعتباره نشاطا عصبيا مشروط فيزيولوجيا.

-             أسلوب الاستشهاد : يتجلى ذلك من خلال استشهاده بتصور العالم البيولوجي الفرنسي جاك مونو القائل بأن الصور العقلية بما فيها الوعي هي موضوعات مادية محددة من خلال الخلايا العصبية . 

خلاصة :

مما تقدم نخلص إلى القول أن صاحب النص انتهى إلى أن الوعي ليس بالموضوع الأدبي، بل و يجب البعد عن كل الخطابات المثالية حوله، و قد أكد في المقابل على أن الوعي باعتباره أعلى عملية عقلية يقوم بها الدماغ البشري ما هو في واقع الأمر سوى نشاط عصبي محض .

ملاحظة :

سوف تجدون بالمقال الذي يتبع هذا المقال مطلب المناقشة ، و الذي يحتوي على قيمة و حدود طرح شونجو، بالإضافة إلى تحليل أطروحة برتراند راسل .

 

 


تعليقات